أقول: أما قوله "مضطرب الحديث" فكلمة لم يقلها أحد قبل الأستاذ، وليس هو ممن يقبل منه مثل هذا، غاية الأمر أن تُعدّ دعوى، فما البينة؟ ليس بيده إلا قصة طلاق الأخرس وعليه في ذلك أمرن:
الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكوني وليس بثقة، قال البخاري:"فيه نظر" وهذه من أشد كلمات الجرح في اصطلاح البخاري كما مر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الحُنيْني، وقال أبو حاتم:"متروك الحديث" والكلام فيه كثير.
وفي القصة ما ينكر؛ فإن الشاذكوني قال:"قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان لي مُكْرِمًا، فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا ثم، فرأوا موضعي منه، فقال بعضهم: إن هذا بعثه ابن القطان وعبد الرحمن ليفسد حديثك .. " وابن القطان وعبد الرحمن هما إمامًا عصرهما: يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن الممتنع أن يكذب يحيى بن معين ورفقته عليهما هذا الكذب الفاحش.
الأمر الثاني: أن القصة لا تفيد اضطرابًا وإنما تفيد تدليسًا، زعم الشاذكوني أن جريرًا ذكر أولًا عن مغيرة عن إبراهيم في طلاق الأخرس، ثم ذكره ثانيًا عن سفيان عن مغيرة، ثم ثالثًا عن ابن المبارك عن سفيان، ثم قال:"حدثنيه رجل خراساني عن ابن المبارك" فلو صحت القصة لما كان فيها إلا التدليس، بإسقاط ثلاثة، ثم بإسقاط اثنين، ثم بإسقاط واحد، ثم ذكره على وجهه، ولهذا قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "إن صحت حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس" ولم يذكره في طبقات المدلسين لأن القصة لم تصح وقد ذكر أبو خيثمة جريرًا فقال: "لم يكن يدلس".
وقول الأستاذ:"كان سيء الحفظ" لم يقلها أحد قبله أيضًا، وإنما المعروف أن جريرًا كان لا يحدث من حفظه إلا نادرًا، وإنما يحدث من كتبه، ولم ينكروا عليه شيئًا حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة.