ثم ارتحل إلى الهند، والْتحق بدائرة المعارف العثمانية، ومكث فيها نحوًا من ثلاثين عامًا، منشغلًا بتصحيح الكتب وتحقيقها.
ثم ارتحل إلى مكّة حيث مكث فيها إلى أن وافاه الأجل، وذلك نحو خمس عشرة سنة، عمل فيها أمينًا لمكتبة الحرم المكي، يخدم رُوّاد المكتبة من الطلبة والباحثين، ويرشدهم إلى مواضع ما يحتاجون إليه من الكتب والمراجع، اشتغل في هذه الفترة بتصحيح بعض الكتب التى طبعت في دائرة المعارف أيضًا، وبتأليف وتصنيف أمثال "التنكيل" و"الفوائد" و"الأنوار" وغيرها من الأبحاث والرسائل.
لعل ما سبق بيانه يفسِّر لنا أننا لم نعلم للشيخ تلامذةً بالمعنى المعهود، وذلك نظرًا لانشغاله الدائم بالبحث والتصحيح والتحقيق، ولم يتفرغ الشيخ لعمل مجالس سماع أو تحديث أو تدريس بصورة تسمح للتخرُّج به.
ولعلّ ما انشغل به الشيخُ، وما خلّفهُ للأُمّةِ من تصحيح أمهات كتب الرجال، والتي ما كان يصلح لها منْ هو أقلُّ كفاءةً منه، وما انْبرى له من الدفاع عن السنة وأهلها وأئمتها، مما رفع به الحرج عن سائر الأُمّة، وما أتْحف به المكتبة الإسلامية ببديع التحقيق لكثير من المسائل الاصطلاحية المشكلة، ما هو أعظم أثرًا، وأبعد نفعًا من مجرد انشغاله بتلك المجالس.
لكن مما يلاحظ أن غياب هؤلاء التلاميذ مما زاد في انغمار الشيخ، بحيث لم يحْمِلْ هذا العلم عنه منْ يقوم بنشره وبثِّه، وإنما عِلْمُ الشيخ فيما سطره بقلمه، ومن آثار غياب هؤلاء أنه لا تزال كثير من أبحاث الشيخ ورسائله وتحقيقاته حبيسة الأدراج، وقد أثّر طولُ الوقت في بعضها، ولعلّ الله تعالى أن يقيض منْ يعتني بعلم الشيخ فيقوم على إخراج تلك المخطوطات إخراجًا علميًا لائقًا.