للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي (ص ٢١٥) نقل الشوكاني عن الوجيز: "ابن لهيعة أخرج له مسلم". فقال المعلمي: "هذا إطلاق منكر، إنما وقع لمسلم في إسناد خبرين عن ابن وهب: "أخبرني عمرو بن الحارث وابن لهيعة". سمع مسلم الخبر هكذا فحكاه على وجهه، واعتماده على عمرو بن الحارث فإنه ثقة.

ويقع للبخاري والنسائي نحو هذا، فيكنيان عن ابن لهيعة؛ يقول البخاري: "وآخر". ويقول النسائي: "وذكر آخر". ورأى مسلم أنه لا موجب للكناية.

مع أن ابن لهيعة لم يكن يتعمد الكذب ولكن كان يدلس ثم احترقت كتبه، وصار من أراد جمع أحاديث على أنها من رواية ابن لهيعة، فيقرأ عليه وقد يكون فيها ما ليس من حديثه، وما هو في الأصل من حديثه، لكن وقع فيه تغيير، فيقرأ ذلك عليه، ولا يردّ من ذلك شيئًا، ويذهبون يروون عنه، وقد عوتب في ذلك فقال: "ما أصنع؟ يجيئونني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم".

نعم، إذا كان الراوي عنه: ابن المبارك أو ابن وهب، وصرح مع ذلك بالسماع فهو صالح في الجملة (١)، فأما ما كان من رواية غيرهما ولم يصرح فيه بالسماع وكان منكرًا


(١) أي يُعتبر به فيما يروياه عنه، كما قاله الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون" (الترجمة ٣٢٢) وأضاف إليهما: محمد الله بن يزيد المقرىء.
والسبب في تفضيل رواية هؤلاء عنه على غيرهم، ما قاله ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فقال: آخره وأوله سواء، إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منه، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه". "الجرح" (٥ / ت ٦٨٢).
وسبب آخر، قال عمرو بن علي الفلاس: "عبد الله بن لهيعة احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبد الله يزيد المقرىء أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت كتبه، وهو ضعيف الحديث". "الجرح" أيضا.
تنبيه هام:
المقصود هنا أن رواية هؤلاء العبادلة عنه أحسن وأصح من رواية غيرهم عند المفاضلة والزجيح، لا أَنَّهُ يُحكم على حديثه من روايتهم عنه بالصحة؛ لأن ابن لهيعة في نفسه غير حجة، وإنما =

<<  <  ج: ص:  >  >>