للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . .


= ابن بكير في الروضة فقلت له: إن الناس يقولون إنك لم تسمع هذه الأحاديث التي تروي عن أبيك من أبيك؟ فقال: ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي. ثلاثًا.
ج- وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (١/ ٤٤٢): حدثني أحمد بن صالح: قال: حدثني ابن أبي أويس قال: رأيت في كتاب مالك بخطه: قلت لمخرمة في حديث: سمعته من أبيك؟ فحلف لَسَمِعَهُ من أبيه.
ثالثا: قال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث الوتر (ذكره المزي في "تهذيب الكمال" (٢٧/ ٣٢٦).
أقول: أما الأمر الأول فقد أجاب عنه ابن المديني، واستبعد هذا السماع، واستظهر بأنه لم يبلغه تصريح مخرمة بالسماع من أبيه في شيء من حديثه.
وأما الأمر الثاني فالظاهر أن الأئمة لم يُعوِّلوا على حكاية ابن أبي أويس؛ لحاله في نفسه مما فيه من الضعف، ووصفه بالغفلة، ولأن له عن مالك غرائب, ولمخالفة حكايته لما جاء عن مخرمة من طرق صحيحة أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، ولأن حكايته إنما هي وجادة, وقد اختلف النقل عنه, ففي النص (أ): وجدت في ظهر كتاب مالك. ولم يقل بخطه.
وفي (ب): قرأت في كتاب مالك بخطه.
وفيهما ما ظاهره أن السؤال كان عن أحاديثه كلها عن أبيه.
وفي (ج): السؤال عن حديث بعيَنْه.
وهذا الاختلاف مما يُضْعف الاعتماد على مثل هذه الحكاية؛ لأن لظهر الكتاب شأنًا سوى الكتاب نفسه, وهل السؤال عن سماع حديث واحد، أم عن سماع مخرمة من أبيه جملة؟ فالفرق كبير.
وقد ساق أبو حاتم تلك الحكاية, ثم قال: إن كان سمعها من أبيه .. " فلم يرها حجة في إثبات السماع، والله تعالى أعلم.
وقد علَّق الشيخ المعلمي على هذه الحكاية في "حاشية الجرح" (٨/ ٣٦٤) بقوله: "وِجَادَة فإذا احتيج إليها لم تُغْنِ، وإن أغنت لم يُحْتَجْ إليها".
وأما الأمر الثالث فهو يدل على سماع حديث واحد، والثابت عن مخرمة أنه أدرك أباه وهو غلام، لم يسمع منه شيئًا، وعلى ذلك جمهور النقاد من المحدثين، فاستثناء شيء من هذا الإطلاق يحتاج إلى برهان وحجة، فربما كان مستند أبي داود مجيء هذا الحديث الواحد مصرحًا فيه بسماع مخرمة من أبيص فيُنظر: هل هذا التصريح بالسماع محفوظًا أم لا؟ فكم من صيغٍ للاتصال في الأسانيد لم يَعْبَأ بها النقاد؛ لاستقرار العلم بالانقطاع، وقد اعتنى ابن المديني بهذا الأمر، فلم يجد أحدًا ينقل سماع مخرمة من أبيه - كما مَرَّ نقلُه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>