الواسطة، ويدلس عن ذاك الشيخ؛ تكثرًا من الرواية عنه مباشرة، ولأسباب أخرى معروفة.
لكن لا يخفى أن هذا أمرٌ أَغْلَبِيٌّ، والرجل إذا كان مدلِّسًا، وأكثر عن فلانٍ من الناس، ولم يقل: أنا لا أُدَلِّسُ عنه، فإنه لا يمتنع أيضًا أن يسمع عنه حديثًا بواسطة، فيدلسه؛ استحياءً أن يحدث عنه بواسطة مع ما عرف عنه من اختصاصه به وإكثاره عنه، ولأسباب أخرى لا تقضي العادة بامتناعها.
فهذا المدلِّس وإن كان الأصل في روايته عن شيخه ذاك أنه سمع منه، فهو كمثل سائر القضايا الحديثية أنها أَغْلَبِيَّةٌ، فإذا قيل: فلان ثقة ضابط متقن، لم يخدش في هذا القولِ خطؤه في أحاديث قليلة بالنسبة إلى كثرة ما روى. وإذا قيل: فلان أثبت من فلان في شيخ معيَّن، لم يُطعن في ذلك بانعكاس القضية في بعض الأحوال إذا قامت القرائن على ذلك، وهذا أمر مستفيض ودلائله منتشرة في صنيع الأئمة (ص ٣٥٨).
٢٥ - الناقد إذا استنكر خبرًا، أو وجده مباينًا لما صح واستقر بخلاف معناه، نظر في إسناده مستحضرًا الأحوال التفصيلية لرواته، ويَنْفُذُ في تعليله من خلال مواطن الخلل فيه، معتمدًا على القرائن المعتبرة في كل حالة (ص ٣٥٩).
٢٦ - ربما أعلَّ الناقدُ الخبر بعلَّةٍ يندر وقوع مثلها، إذا ساعدت القرائن على ذلك، والنادرُ قد يُحتاج إليه.
ففيما نقلته آنفًا عن البخاري في "تاريخه الأوسط" مثال عمليّ على ذلك، فإنه لما استنكر الخبر، وقال: قد أدرك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- معاوية أميرًا في زمان عمر، وبعد ذلك سنين، فلم يقم إليه أحدٌ فيقتله، واستدل بهذا على وَهَن الأخبار الواردة في ذلك، وأن ليس لها أصول، فنظر في رواية الأعمش عن سالم؛ والأعمش مدلِّس ولم يصرح بالسماع، والخبر في التشيع، فلعلَّه سمع