وهذا خلافٌ لمن اغتر بقول القائل:"من أُخرج له في الصحيح فقد جاز القنطرة" فلا يَعتبرُ بما ورد فيه من الجرح وأوجه الضعف من قِبَل غير صاحب "الصحيح"، بل ربما من صاحب "الصحيح" نفسه.
والبخاري ومسلم رحمهما اللَّه تعالى لم يشترطا أن يخرجا لمن لم يتكلم فيه أحدٌ من أهل النقد المتقدمين عنهما أو المعاصرين لهما، بل ربما خرَّجا لمن وصفاه هما بالوهم ونحوه، ويكون إخراجُهما لهذا وأمثالِه ممن وصفهم غيرهما من الأئمة بذلك، إنما هو على سبيل انتقاء ما قامت القرائن عندهما على صحة ما رَوَياه لهؤلاء في الكتابين، وربما لم تنهض تلك القرائن عند غيرهما من النقاد للحكم على حديثٍ ما بالصحة، فينشأ من هنا الاختلاف في الحكم على بعض ما خرجه صاحبا "الصحيح".
ثانيا: مجرد إخراج الشيخين للرجل في بعض المواضع من "الصحيح" لا يعني بالضرورة أنهما يرياه أَهْلا لأن يُخرَّجَ له في كل موضع، فلا يقال لإسنادٍ أخرج البخاري أو مسلم لجميع رواته: هذا مما أخرجا أو أحدُهما لرجال إسناده, فينبغي أن يُصَحَّحَ هذا الإسنادُ قياسا على ذلك!.
ثالثا: هناك فرقٌ بين من يخرجا له احتجاجا، ومن يخرجا له متابعةً أو استشهادا، فليس من احتجابه فأخرجا له في صَدْر الباب -لا سيما مسلما-، أو ما يدور الحديث عليه، كمن أخرجا له مستشهَدا به، مؤخَّرا عن صدر الباب , أو ثبت الحديث عندهما من غير طريقه.
رابعا: قد يخرجا للرجل عن شيخٍ، ومن طريق شيخٍ معين عنه؛ لِمَا يريانه من استقامة حديث كل من هؤلاء عن الآخرة لمزيد اختصاصٍ به، أو حفظٍ لحديثه، أو غير ذلك من القرائن، وعليه فليس بلازمٍ ولا سائغٍ أن يقال لإسنادٍ ورد فيه هذا الرجل -لكن ليس بذاك النَّسق المشار إليه: هذا على شرطهما.