إخراجه له في الأصول فلا يوجب أن يكون عنده غيرَ أهلٍ لذلك، ولذلك نظائر؛ هذا سليمان بن المغيرة الذي تقدم أنه من أثبت الناس في ثابت، وأنه أثبت فيه من حماد بن زيد، وقد ثَبَّتَه الأئمة جدًّا، قال أحمد:"ثبت ثبت"، وقال ابن معين:"ثقة ثقة" والثناء عليه كثير، ولم يغمزه أحد، ومع ذلك ذكروا أن البخاري لم يحتج به ولم يخرج له إلا حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره ... " (١).
قال أبو أنس:
هذا قياسٌ مع الفارق؛ فأين مَنْ ثَبَّتَهُ الأئمة ووثقوه لإطلاق، ولم يغمزه أحد منهم بشيء، بمن ذكروه بسوء الحفظ وكثرة الخطأ، ولم يثبتوه إلا في روايته عن ثابت وحميد، ومع ذلك فقد خطئوه في عدة مواضع من روايته عنهما كما يُعلم بالنظر في كتب العلل.
والمقصود أن عدم إخراج البخاري لسليمان بن المغيرة في الأصول أو عدم احتجاجه به لا يمكن أن يكون لسبب يتعلق بعدالة سليمان أو ضبطه؛ للإجماع على ثقته وإتقانه، وإنما هو لأسباب خارجة عن ذلك؛ كأن يكون استغنى برواية غيره فيما احتاج إلى إيراده من الأحاديث لأغراضٍ ربما تتعلق بالإسناد أو المتن.
أما حماد بن سلمة، فالدلائلُ على خِفَّةِ ضبطه، والأوهامِ التي استفاضَ عن النقادِ وقوعُه فيها، جديرٌ ذلك بأن يكون هو سبب إعراضِ البخاري عن الاحتجاج به.
فالدفاع عن حماد بحمل صنيع البخاري معه على أنه لم يقصد الإعراض عن الاحتجاج به -استدلالا بصنيعه مع سليمان بن المغيرة- فيه نظر كبير، واللَّه تعالى أعلم.
* * *
(١) في تهذيب ابن حجر (٤/ ٢٢١): "قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف في مسند أنس: ليس لسليمان بن المغيرة عند البخاري غير هذا الحديث الواحد وقرنه بغيره".