تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته؛ لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل، ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية. اهـ.
أقول:
نعم، التفرد لا يستلزم الخطأ، ولكنها هنا زيادة حكم أو حكاية فِعل في حديثٍ لا يتعدى بضع كلمات ممن لم يُقدَّم على أحد ممن خالفهم -وهم جماعة- فكيف يُقدم عليهم جميعا؟!
فإذا انضاف إلى ذلك أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قد تكلم فيها بعض الأئمة؛ ففي "شرح علل الترمذي" لابن رجب (ص ٤٨٦):
ذكر أحمد في رواية غير واحد من أصحابه أن الأوزاعي كان لا يُقيم حديث يحيى ابن أبي كثير، ولم يكن عنده في كتاب، إنما كان يحدث به من حفظه, ويهم فيه, ويروي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة, عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب. اهـ.
فالتفرد بمثل هذه الزيادة، مع هذه القرائن، يُريب في صحتها، وهذا هو مقتضى عدم اعتماد البخاري لها، فلم يبوب عليها.
والحكم بالخطأ أو الشذوذ في الحديث يكفي فيه غلبة الظن إذا انقدح في ذهن الناقد ذلك، كما هو معلوم.
وبعد، فهذه النماذج -إضافة إلى ما ذكره الشيخ المعلمي- إنما هي أُطروحات ربما تَفتح بابَ النظر في "صحيح البخاري" على أساس محاولة فهم تصرفات البخاري في أبوابه وما يحتج فيها من الأحاديث، وما هو على شرطه في الباب الذي يخرج فيه الحديث، وما يخرج في غير بابه.
ولعل هذا يدفع عن البخاري -ومسلم- بعض الانتقاد الذي أُخذ عليهما في إخراج بعض الأحاديث، إذا لوحظ تصرفهما في إخراجها.