للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- إما أن يكون الراوي ثقةً ثبتًا، فيُعرف صحيح حديثه بتحديثه.

- وإما أن يكون صدوقًا يغلط، ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى؛ كأن يكون له أصول جيِّدة؛ وكأن يكون غلطه خاصًا بجهةٍ؛ كيحيى بن عبد اللَّه بن بكير روى عنه البخاري، وقال في "التاريخ الصغير": "ما روى يحيى بن عبد اللَّه بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه" (١)، ونحو ذلك.

فإن قيل: قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح؛ فإنه إن كان يروي ما لا يرى صحته، فأيُّ فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيح حديثه من سقيمه؟! لكن كيف تصح هذه القضية مع أن في كتب البخاري غير "الصحيح" أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يَحكم هو نفسه بعدم صحتها؟!

قلت: أما ما نبَّه على عدم صحته فالخطب فيه سهل؛ وذلك بأن يُحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج، فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته ويبقى النظر فيما عدا ذلك.

وقد يقال: إنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة؛ ليعرف الناس ضعفه مطلقًا، وإذا رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في: يحيى بن بكير.

وأما غير ذلك فإنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبينًا الواقع بالقول والحال. والله أعلم.


(١) عن تهذيب ابن حجر (١١/ ٢٣٨)، ومقدمة "الفتح" له (ص ٤٧٥)، وقال هناك: "فهذا يدلك على أنه ينتقي حديث شيوخه، ولهذا ما أخرج عنه عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة، ومعظم ما أخرج عنه عن الليث ... ". وسبق التعرض لروايته في الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>