للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو أنس:

فإذا كان لا يُشدد، فظاهره أنه لا يقتصر في روايته عن مشايخه على الثقات، فروايته عن غير مشهور إذًا لا تقويه.

إلا أنَّ وصفَه بأنَّه ليس مِمَّنْ يشُدِّدُ؛ بناءً على ما ذُكر من روايته عن الكلبي، قد نظرتُ في ذلك فوجدت ما يلي:

كان ابن المبارك يتوسع الرواية عمن يلقى من المشايخ، حتى يكتب عمن هو أصغر منه، لِعَلَّةٍ ذكرها:

ففي كتاب "الجامع" للخطيب (٢/ ٢١٩): "أخبرني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، أنا المعافى بن زكريا الجريري، نا أبي، نا الفضل بن محمد بن عقيل، قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان عبد الله بن المبارك يكتب عمن دونه؛ مثل: رشدين بن سعد وغيره. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، كم تكتب؟ قال: فقال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع إلي". اهـ.

فقد كان يسمعُ ويكتبُ عمَّن يَلْقَى؛ بغيةَ الانتفاع بالمعاني والفوائد والمواعظ، ككثير من الأئمة الذين يتساهلون في مثل ذلك، فإذا جاءت الأحكام والحجة في دين الله شددوا وانتقوا.

يدل على ذلك ما جاء في "السير" (٨/ ٣٩٧):

"قال العباس بن مصعب في "تاريخه" عن إبراهيم بن إسحاق البناني، عن ابن المبارك، قال: حملتُ العلمَ عن أربعةِ آلافِ شيخٍ، فرويتُ عن ألف شيخٍ، ثم قال العباس: فتتبعتهم حتى وقع لي ثمانمائة شيخ له". اهـ.

فلم يرو إلا عن رُبع مَن سَمع وكَتب عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>