للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحمد هذا وَثَّقه النسائي، والنسائي قد يفوق الشيخين في التشدد كما نبهوا عليه في ترجمته (١)، ووثقه غيره أيضًا ... "

قال أبو أنس:

الذي يظهر أن قائل هذا ومن وافقه قد بَنَوْا ذلك على أن النسائي قد تكلم في بعض الرجال الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما على أساس أن إخراجهما للرجل يدل على أنه على شرطهما -سواء احتجا به أم خرجا له في الشواهد، كُلٌّ بحسبه- فإذا ليَّنَهُ النسائي أو ضعَّفهُ، كان مقتضى ذلك عند هذا القائل أن النسائي لا يراه أهلًا لأن يخرج له في "الصحيح"، أو أن تليينه أو تضعيفه يكون في مقابل ما يدل عليه إخراج الشيخين من تعديلهما له.

فأقول:

هذا المقتضى ليس بلازم هنا؛ وأمر الجرح والتعديل دائر على الاجتهاد، وأكثر الذين تكلم فيهم النسائي من هؤلاء إنما لَيَّنَهُم تليينًا هيِّنًا، وهذا اللِّينُ لا يمنع الشيخين من إخراج أحاديث لهم على سبيل الانتقاء مما اطمأنا إلى صحته، فلا مقابلةَ حينئذٍ بين مَنْ خَرَّجَا له، وقد ليَّنَه النسائي أو غيره.

وأما من ضَعَّفَهُ بإطلاق أو وَهَّاه من هؤلاء -وهم قليل جدًّا- فإن مرجعه إلى اختلاف الاجتهاد كما مَرَّ في ترجمة أبي حاتم الرازي وابن معين.

ثم إن الكلام في بعض رجال "الصحيحن" لم يختصّ بالنسائي وحده، بل شاركه فيه غيره من الأئمة، فهل يقال فيهم جميعا إن لهم شروطًا في الرجال أشد من شرطهما؟


(١) قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي. فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. اهـ. ووافقه الذهبي بقوله: "صدق، فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>