الخامس: أنه شرع في تأليف "المستدرك" بعد أن بلغ عمره اثنتن وسبعين سنة، وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه، وكان فيما يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع "المستدرك"، وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام "المستدرك" وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أو نحو ذلك.
وقد رأيت له في "المستدرك" عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها، فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم -مثلًا- مع أن مسلمًا إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمُه باسمِه، ويقول في الرجل: فلان الواقع في السند هو فلان ابن فلان، والصواب أنه غيره.
لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته؛ لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، فكل حديث في "المستدرك" فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلانًا المذكور فيه صحابي، أو أنه هو فلان ابن فلان، ونحو ذلك، فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل.
هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ"المستدرك"، فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم، وبهذا يتبين أن التشبث بما وقع له في "المستدرك" وبكلامهم فيه لأجله: إن كان لإيجاب التروي في أحكامه التي في "المستدرك" فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته أو في أحكامه في غير "المستدرك" في الجرح والتعديل ونحوه فلا وجه لذلك، بل حالة في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر كما يقع لغيره، والحكم في ذلك اطِّراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه، وقبول ما عداه، والله الموفق". اهـ.