الله أَنْ يأمر وينهى على وفق ما في الأفعال من حسن وقبيح، فالحاكم عند الجميع هو الله - سبحانه وتعالى - والحكم حكمه، وهو الشارع لا غيره، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق عليه اسم (الشارع) في بعض عبارات العلماء فما كان ذلك إلَّا تجوزًا؛ مراعاة لأَنَّه المبلغ عنه، وإذا كان الشاطبي في بعض المواطن قد سمى عمل المجتهد تشريعًا فما كان ذلك منه إلَّا تساهلًا أساغه أَنَّ عمل المجتهد كاشف عن التشريع ومظهر له، فالسلطة التشريعية هي لله وحده، والشريعة أَوْ الشرعة أَوْ الشرع فيما يختص بالعمليات هي حكم الله - تعالى - وهو أثر خطابه - جلَّ شأنه - المتعلق بأفعال العباد اقتضاءً، أَوْ تخييرًا، أَوْ وضعًا.
والله - جلت حكمته - لم يُفَوِّض إلى أحد من عباده لا إلى رسول، ولا نبي، ولا إمام، ولا ولي، ولا إلى غيرهم - أَنْ يشرع للناس من الأحكام ما يريد، أَوْ أَنْ يحكم بينهم بما يراه هو من عند نفسه وكيف ما اتفق.
أَمَّا العرف فلا توجد إحالة تشريعية إلى أحكامه، إنَّما يُلجأ إليه في معرفة ما يريده المتكلم من الأيمان، والعقود، وما إلى ذلك، وفي معرفة قِيم المتلفات وأشباهها، وفي الوقوف على الشروط التي يُصحَّحُ العرف اشتراطها في العقود، هذا كل ما يُلجأ إليه فيه إلى العرف، ولا يُلجأ إليه في معرفة حكم تشريعي ليُطبق، وإنَّما يلجأ إليه في تكييف الواقعات، والنوازل، ليطبق عليها الحكم المعروف في الشريعة، ولا