٢ - ويقول ابن القَيِّمِ:"ليس للمفتي أَنْ يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إلَّا إذا علم أَنَّ السائل إنَّما سأل عن أحد تلك الأنواع، بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى التفصيل استفصله، كما استفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا لما أقرّ بالزنا، وهل وجد منه مقدماته أَوْ حقيقته؟ فلما أجابه عن الحقيقة استفصله: هل به جنون فيكون إقراره غير معتبر، أَمْ هو عاقل؟ فلما علم عقله استفصله بأَنْ أَمَرَ باستنكاهه ليعلم هل هو سكران أَمْ صاحٍ؟ فلما علم أَنَّه صاحٍ استفصله: هل أحصن أَمْ لا؟ فلما علم أَنه أحصن أقام الحد عليه ... والمقصود التنبيه على وجوب التفصيل إذا كان يجد السؤال محتملًا ... فكثيرًا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم، فالمفتي ترد إليه المسائل في قوالب متنوعة جدًّا"(١).
٣ - ويقول ابن القَيِّمِ- أيضًا-: "ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلَّا بنوعين من الفهم؛ أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط بها علمًا، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أَوْ على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على
(١) إعلام الموقعين ٤/ ١٨٧, ١٩٢, وقصة ماعز التي أشار إليها المؤلف قد أخرجها البخاري (الفتح ١٣/ ١٣٥، ١٣٦)، وهو برقم ٦٨٢٤، ٦٨٢٥، ومسلم ٣/ ١٣٢١، وهو برقم ١٦٩٥/ ٢٢.