للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم (١) ": " وقال أبو حنيفة: الإقامة سَبع عشرة كلمة؛ وهذا المذهب

شاذّ " قول واهي، لا يُلتفت إليه؛ وكيف يكون شاذا مع وجود هذه

الدلائل الصحيحة؟ غاية ما في الباب كان ينبغي أن يقول على زعمه: إن

هذا القول مَرجوح، أو قول غيره أقوى منه؛ على أن قول أبي حنيفة في

هذا الباب أقوى وأجدر بالعمل من وجوه؛ الأول: كثرة الدلائل من

الأخبار والآثار الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان، والثاني: أن

قوله: " أُمِر بلال لما قد قيل فيه: إن الآمر فيه مُبهم، يحتمل أن

يكون رسول الله، ويحتمل أن يكون غيره، وقد قيل: إن الآمر بذلك:

أبو بكر، وقيل: عُمر؛ فحصل فيه احتمالات. وقال الشيخ محيي

الدين (٢) : " إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي وهو رسول

الله؛ ومثل هذا اللفظ: قول الصحابي: " أُمرنا بكذا " أو " نُهينا عن كذا "

و" أُمر الناس بكذا " ونحوه فكله مرفوع سواء قال الصحابيّ ذلك في حياة

رسول الله أم بعد وفاته ".

قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق ينشاً وجوه الاحتمالات، وقوله

" سواء " إلى آخره غير مسلم؛ لجواز أن يقول الصحابيّ بعد الرسول:

" أُمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " ويكون الآمر أو الناهي أحد الخلفاء

الراشدين. والثالث: أن بعضهم ادّعوا أن حديث أبي محذورة ناسخ

لحديث أنس هذا قالوا: وحديث بلال إنما كان أول ما شرعِ الأذان- كما

دلّ عليه حديث أنس- وحديث أبي محذورة كان عام حُنين وبينهما مدةٌ

مَديدة.

فإن قيل: شرط الناسخ: أن يكون أصح سندا، وأقوى من جميع

جهات الترجيح، وحديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس من جهة

واحدة، فضلا عن الجهات كلها. قلنا: لا نسلم أن من شرط/الناسخ

ما ذكر؛ بل يكتفى فيه أن يكون صحيحًا متأخراً، معارضا، غير ممكن


(١) (٤/٧٨) .
(٢) المصدر السابق

<<  <  ج: ص:  >  >>