للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ذلك كان بالمدينة بعد نزول قوله تعالى: "وَقُومُوا (١) لله قانتين " مُوافقا لحديث زيد بن أرقم؛ فظهر بهذا كله أن قصة التسليم كَانت بعد الهجرة بخلاف ما ذكره البيْهقي، ثم إنه استدل على ما ذكره بحديث أخرجه عن ابن مسعود قال: بَعثنا رسول الله- عليه السلام- إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلاً؛ وفي آخره قال: فجاء ابن مسعود فبادر فشهد بدرا. والجواب: ليس فيه أنه جاء إلى مكة كما زعمه؛ بل ظاهره أنه جاء من الحبشة إلي المدينة؛ لأنه جعل مجيئه وشهوده بدرا قريب هجرته إلى الحبشة بلا تراخ.

ثم خرفي عن مُوسى بن عقبة أنه قال: وممن يذكر أنه قدم على النبي

- عليه السلام- بمكة من مهاجرة أرض الحبشة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة، فذكرهم وذكر فيهم ابن مَسْعود قال: وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله، وهكذا ذكره سائر أهل المغازي بلا خلافٍ.

والجواب: أما قول ابن عقبة: " قدم على النبي- عليه السلام- بمكة

من مهاجرة الحبشة" أراد به الهجرة الأولى؛ فانه- عليه السلام- كان بمكة حينئذ، ولم يُرد هجرة ابن مسعود الثانية؛ فإنه- عليه السلام- لم يكن بمكة حينئذ. بل بالمدينة فلم يُرد ابن عقبة بقوله: " ثم هاجر إلى المدينة" أنه هاجر إليها من مكة؛ بل من الحبشة في المرة الثانية.

وأما قول البيهقي: " وهكذا ذكره سائر أهل المغازي" إن أراد به شهود

ابن مسعود بدرا فهو مسلم؛ ولكن لا يثبت به ما ادعاه أولا وإن أراد به

ما فهمه من كلام ابن عقبة أن رجوعه في المرة الثانية كان إلى مكة، وأنه هاجر منها إلى المدينة، ليستدل بذلك على أن تحريم الكلام كان بمكة، يُقال له: كلام ابن عقبة يدل على خلاف ذلك- كما قررناه- ولئن أراد ابن عقبة ذلك فليس هو مما اتفق عليه أهل المغازي كما تقدّم عن ابن الجوزي وغيره.


(١) في الأصل: "فقوموا ".
١١* شرح سنن أبي داود ٤

<<  <  ج: ص:  >  >>