فإن قيل: فقد ذكر في كتاب "المعرفة " عن الشافعي أن في حديث ابن
مسعود، أنه مر على النبي- عليه السلام- بمكة، قال: فوجدته يُصلي
في فناء الكعبة، الحديث. قلنا: لم يذكر ذلك أحد من أهل الحديث غير الشافعي، ولم يذكر سنده ليُنظر فيه، ولم يجد له البيهقي سندا مع كثرة
تتبعه وانتصاره لمذهب الشافعي.
وذكر الطحاوي في "أحكام القرآن " أن مهاجرة الحبشة لم يرجعوا إلا
إلى المدينة، وأنكر رجوعهم إلى دار قد هاجروا منها؛ لأنهم منعوا من
ذلك، واستدل على ذلك بقوله- عليه السلام- في حديث سَعْد: " ولا
تردهم على أعقابهم ".
ثم ذكر البيهقي عن الحميدي أنه حَمَل حديث ابن مسعود على العَمْد
وإن كان ظاهره يَتناولُ العمد والنسيان، واستدل على ذلك فقال: كان
إتيان ابن مسعود من أرض الحبشة قبل بدر ثم شهد بدرا بعد هذا القول،
فلما وجدنا إسلام أبي هريرة والنبي- عًليه السلام- بخيبر قبل وفاته
بثلاث سنين، وقد حضر صلاة رسول الله، وقولَ ذي اليدين، ووجدنا
عمران بن حصين شهد صلاة رسول الله مَرةً أخرى، وقولَ الخرباق،
وكان إسلام عمران بعد بدرٍ، ووجدنا معاوية بن حُدَيج حضَر صلاةَ
رسول الله، وقولَ طلحة بن عبيد الله، وكان إسلامِ معاوية قبل وفاة
النبي- عليه السلام- بشهرين، ووجدنا ابن عباس يُصوبُ ابن الزبير في
ذلك، ويذكر أنها سُنَة رسول الله، وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين [٢/٣١ - ب] قبض النبي- عليه السلام-،/ ووجدنا ابن عمر روى ذلك، وكان أجازه (١) النبي- عليه السلام- ابنَ عمر يوم الخندق بعد بدر، علمنا أن
حديث ابن مسعود خُص به العمدُ دون النسيان، ولو كان ذاك الحديث في
النسيان والعمد يومئذ لكانت صلاة رسول الله هذه ناسخةً له لا بعده.
والجواب: أنه ليس للحميدي دليل على أن ابن مسعود شهد بدرا بعد
(١) كذا.