ومنها: أن فيه إشكالاً على مذهب الشافعي؛ لأن عندهم: إنه لا
يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إماما كان أو مأموما،
ولا يعمل إلا على يقين نفسه. واعتذر الشيخ محيي الدين عن هذا: بأنه
- عليه السلام- سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر، فعلم السهو فبنى
عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو جار ترك يقين نفسه والرجوع
[٢/٥٩ - أ] إلى قول غيره، لرجع ذو اليدين/ حين قال النبي- عليه السلام-: "لم تُقْصَر ولم أنْس".
قلتُ: ليس هذا بجواب مُخلّصِ؛ لأنه لايح (١) من الرجوع سواء
كان رجوعه للتذكر الو لغيره، وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام
الرسول لا لأجل يقين نفسه، فافهم. وقال ابن القصار: اختلفت الرواة
عن مالك في هذا؛ فمرةَ قال: يرجع إلى قولهم؛ وهو قول أبي حنيفة
لأنه قال: يَبْني على غالب ظنه، وقال مرةً أخرى: يعمل على يقينه ولا
يرجع إلى قولهم، كقول الشافعي.
ومنها: أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ثم عاد وقضى ما عليه
هل تصح؟ فظاهر الحديث يدل على أنه تصح؛ لأنه قال: فرجع
رسول الله إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتَيْن. ولكن الفقهاء اختلفوا في
هذه المسألة؛ فعند الشافعية: فيها وجهان؛ أصحّهما: أنه تصح بهذا
الحديث؛ لأنه ثبت في مُسلم أنه- عليه السلام- مشى إلى الجذعْ وخرج السرعان، وفي رواية: دخل منزله، وفي رواية: دخَل الحُجرة ثم خرج
ورجع الناسُ، وبنى على صلاته، والوجه الثاني وهو المشهور عندهم-:
أن الصلاة تبطل بذلك. وقال الشيخ محيي الدين: وهذا مشكل،
وتأويل الحديث صعبٌ على مَن أبْطلها، ونقل عن مالك: أنه ما لم
ينتفض وضوؤه يجور له ذلك وإن طال الزمنُ، وكذا رُوي عن ربيعة
مُستدلينَ بهذا الحديث. ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: إنه
(١) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".