للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: " وقال مسدد في حديثه: وكانت له صحبة " أي: للأغر صحبة. قوله: " إنه " أي: إن الشأن " ليُغانُ ". قال الخطابي: أصله من الغين , وهو الغطاء وكل حائل بينك وبين شيء فهو غين , ولذلك قيل للغيم غين.

وقال غيره: يُغان: يلبس ويُغطي، قيل ذلك بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده حتى كان يستغفر لها، وقيل: إنه لما شغله من النظر في أمور المسلمين ومصالحهم حتى يرى انه قد شغل بذلك، وان كان في أعظم طاعة وأشرف عبادة عن أرفع مقام مما هو فيه، وأشرف درجة، وفراغه لتفرده بربّه وصفاء وقته، وخلوص همه من كل شيء سواه، وأن ذلك غض من حالته هذه العلية، فيستغفر الله لذلك. وقيل: هو مأخوذ من الغين والغيم , وهو السحاب الرقيق الذي يغشى السماء، فكأن هذا الشغل والهم يغْشى قلبه ويغطيه عن غيره حتى يسْتغفر الله منه. وقيل: قد يكون هذا الغين السكينة التي يغشى (١) قلبه , لقوله: " فأنزل اللهُ سكينتهُ عليْه " (٢) واستغفاره لها: إظهار للعبودية والافتقار. ويحتمل أن تكون حالة خشية وإعظام يغشى القلب، واستغفاره شكر لله، وملازمة للعبودية، كما قال: " أفلا أكون عبدا شكوراً ". وقيل: كان يترقى من حال إلى حال، فتصير الحالة الأولى بالإضافة إلى الثانية في التقصير كالذنب، فيقع الاستغفار لما يبدو له من عظمة الرب، ويتلاشى الحال بما يتجدد من الثانية.

وقال ابن الأثير: وقيل: الغين شجر مُلتف، أراد ما يغشاه من السهْو الذي لا يخلو منه البشرُ، لأن قلبه أبدًا كان مشغولا بالله تعالى، فإن عرض له- وقتا ما- عارض بشرِي يُشغله من أمور الأمة والملّة ومصالحهما، عن ذلك ذنبًا وتقصيرًا، فيفزع إلى الاستغفار. والحديث أخرجه: مسلم.


(١) كذا.
(٢) سورة التوبة: (٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>