قوله:" فإنها" أي: فإن القصة والشأن "ليس بينها"، أي: بين دعوة المظلوم وبين الله "حجاب"، والمعنى: أنها مسموعة مستجابة لا ترد. ويستفاد من الحديث فوائد: قبول خبر الواحد ووجوب العمل به، وأن السنة أن الكفار يُدْعَوْنَ إلى التوحيد قبل القتال، وأنه لا يحكم بإسلام الكافر إلا بالنطق بالشهادتين، وهذا مذهب أهل السنة، وأن الصلوات الخمس تجب في كل يوم وليلة، وأن الظلم حرام أشد الحرمة، وأن الإمام ينبغي أن يعظ ولاته ويأمرهم بتقوى الله تعالى، ويبالغ في نهيهم عن الظلم، ويعرفهم قبح عاقبته، وأن يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في الزكاة، وأنه يأخذ الوسط، وأنه يحرم على رب المال إخراج شر المال، وأنه لا يدفع الزكاة إلى كافر، ولا يدفع إلى غني.
وتمسك به بعض الشافعية على أن الزكاة لا يجوز نقلها عن بلد المال، لقوله- عليه السلام- "فترد في فقرائهم " قلت: هذا الاستدلال ليس بصحيح، لأن الضمير في "فقرائهم " يرجع إلى فقراء المسلمين، وهو أعم من أن يكون في فقراء أهل تلك البلدة أو غيرهم.
وقال الخطابي: فيه مستدل لمن يذهب إلى أن الكفار غير مخاطبين بشريعة الدين، وإنما خوطبوا بالشهادة، فإذا أقاموها توجهت عليهم بعد ذلك الشرائع والعبادات، لأنه- عليه السلام- قد أوجبها مرتبة، وقدم فيها الشهادتين، ثم تلاها بالصلاة والزكاة.
وقال الشيخ محيي الدين: وهذا الاستدلال ضعيف، فإن المراد أعلمهم أنهم مطالبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبة في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها، يزاد في عذابهم بسببها في الآخرة.
ثم قال: ثم اعلم أن المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور والمنهي عنه، هذا قول المحققة والأكثرين، وقيل: ليسوا مخاطبين. وقيل: يخاطبون بالمنهي دون المأمور.