للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو وسطه، والمعنى: أن يُدخل بعض أصابعه في بعض، مبالغة في

استيفاء الفرض، والنقول عن مشايخنا في التخليل أنه من الأسفل إلى

فوق، لما روي في " شرح مختصر الكرخي " عن أنس: " أنه- عليه

السلام- كان إذا توضأ شبك أصابعه، كأنها أسنان المُشط " (١) ، ولكن

الحديث بعمومه يتناول أي تخليل كان، ويتناول أيضاً تخليل أصابع اليدين

والرجلين.

قوله: " وبالغ في الاستنشاق " والمبالغة فيه: أن يتمخط في كل مرة،

ويقال: يدخل إصبعه في أنفه، وإنما استثنى حالة الصوم؛ لأنه يخاف

عليه دخول الماء من خيشومه إلى حلقه، فيفسد صومه.

فإن قيل: " (١) السائل سأل عن الوضوء بقوله: أخبرني عن الوضوء،

فظاهر هذا السؤال يقتضي الجواب عن جملة الوضوء، ليطابق الجواب

السؤال، ولم يجبه- عليه السلام- إلا عن بعض الوضوء، وهو خارج

عن أركانه؟ قلت: اقتصر- عليه السلام- في الجواب على تخليل

الأصابع والاستنشاق، لعلمه أنه لم يسأل عن حكم ظاهر الوضوء، وإنما

سأله عما يخفى من حكم باطنه، وذلك لأن غسل باطن الأنف غير

معقول من نص الكتاب في الآية، ثم أوصاه بتخليل الأصابع؛ لأن آخذ

الماء قد يأخذه بجميع الكف، وضم الأصابع بعضها إلى بعض، فيسد ما

بينهما، فربما لا يصل الماء إلى باطنها، وكذلك في أصابع الرجل لأنها

ربما يركبُ بعضها على بعض حتى تكاد تلتحم، فقدم له الوضاءة

بتخليلها، وأكد القول فيها لئلا يغفلها.

ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا نزل عند أحد

ضيفاً ولم يجده في منزله، فالمستحب لأهله أن يطعموه شيئاً، ولا

يؤخروه إلى حضور صاحب المنزل.

والثانية: يستحب أن يقدم للضيف خيار ما عندهم من المأكول.


(١) انظره في معالم السنن (١/٤٧- ٤٨) ، فقد نقل المصنف معظمه، وزاد عليه.
٢٢. شرح سنن أبي داوود ١

<<  <  ج: ص:  >  >>