وكذلك الذي في قوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طيباً) ، ومعنى طيباً:
طاهراً عند الأكثرين، وقيل: حلالاً. وقالَ الشافعي: الطيب المُنبت
الخالص، ولهذا لم يُجوز التيمم بغير التراب، وبه قال أحمد، وداود.
وقال مالك: يجوز بكل متصل بالأرض حتى الثلج والنبات. وعن بعض
الشافعية: لا يجوز إلا بتراب عذب صالح للحرث، وبه قال إسحاق.
وقال الأوزاعي والثوري: لا يجوز بالثلج وكل ما على الأرض. والأصح
ما قاله أصحابنا أنه يجوز بالتراب وبكل ما كان من جنس الأرض؛ لأن
الصعيد: وجه الأرض لغة بالإجماع، والطيب: الطاهر لغة.
فوله: " إلى المناكب والآباط " المناكب: جمع منكب، وهو مجمع
عظم العضد والكتف، والآباط- بمد الهمزة المفتوحة- جمع إِبط- بكسر
الهمزة- وفُهِم من هذا الحديث مسألتان:
الأولى: أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للذراعين.
والثانية: أن ضربة الذراعين إلى المناكب والآباط. أما الأولى فهي
مذهبنا ومذهب الأكثرين، وهو قول الشافعي، ومالك، والثوري، وإليه
ذهب عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والحسن البصري،
والشعبي، وسالم بن عبد الله بن عمر. وذهبت طائفة إلى أن الواجب
ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو مذهب عطاء، ومكحول،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وعامة أصحاب الحديث.
وعن ابن سيرين لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات، ضربة للوجه، وضربة
ثانية لكفيه، وثالثة لذراعيه.
وأما الثانية: فقد أخذ الزهري بظاهر هذا الحديث، أنه يجب مسح
اليدين إلى الإبطين. والجواب عن هذا أنهم أجروا اسم اليد على ظاهر
الاسم؛ لأن اليد لغة من رؤوس الأنامل إلى الإبط، ولم يكن عندهم
دليل الخصوص، فاجرَوا الحكم على ظاهره، ولكن قام دليل الإجماع
في إسقاط ما وراء المرفقين فسقط، وما دونهما بقي على الأصل لاقتضاء
الاسم إياه، ويؤيده أن التيمم بدل من الوضوء، والبدل لا يخالف المبدل.