واعلم أن هاهنا بحثا عظيما إذا وقفت عليه عَرَفت ما أسس عليه
أبو حنيفة، وعَرَفت أن الحديث ليس بحجة على أبي حنيفة، وأن غير هذا
الحديث من الأحاديث حجّة عليهم؛ فنقول: لا شك أن الوقت سبب
للصلاة وطرف لها؛ ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببًا، لأنه لو
كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يجعل بعض الوقت
سببا، وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم. فإن اتصل به الأداء تقررت
السببيّة وإلا ينتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن
فيه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن
كان صحيحاً بحيث لم ينسب إلى الشيطان، ولم يوصف بالكراهة- كما
في الفجر- وجب عليه كاملا، حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع
الشمس من خلال الفجر فَسَدَ خلافا لهم؛ لاكك ما وجب كاملا لا يتأدى
بالناقص كالصوم المنذور المطلق، أو صوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر
والتشريق، وإن كان هذا الجزء ناقضا بأن صار منسوبا إلى الشيطان كالعصر
وقت الاحمرار وجب ناقصَا؛ لأن نقصان السبب يؤثر في نقصان المسبّب،
فيتأدى بصفة النقصان؛ لأنه أرى كما لزم، كما إذا نذر صوم النَحر وأداه
فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العَصر؛ لأن ما بعد
الغروب كامل فيتأدى فيه؛ لأن ما وجب ناقصًا يتأدى كاملا بالطريق
الأولى.
فإن قيل: يلزم أن يفسد العصر إذا شرع فيه من الجزء الصحيح، ومدّها
إلى أن غربَت، قلنا: لما كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت
فيعفَى الفساد الذي يتصل فيه بالبناء؛ لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على
الصلاة متعذر.
والجواب عن الحديث: ما ذكره الطحاويّ في " شرح الاَثار " أن ورود
الحديث كان قبل نَهيه- عليه السلام- عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، من حديث الأعرج، وغيره، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.