وسُوِّيت مواضعها، لتصير جميع الأرض مَبسوط مُستويةً للمصلين،
وكذلك فعل بالقبور. وفي " مصنف " ابن أبي شيبة بسند صحيح: " فأمر
بالحرث فحُرث "؛ وهو الذي زعم ابن الأثير أنه رُوِيَ بالحاء المهملة والثاء
المثلثة، يريدُ الموضع المحروث للزراعة.
قوله: " فأمَر رسول الله بقبور المشركين فنُبشَت " إنما أمر بنبشها لأنهم لا
حرمة لهم.
فإن قيل: كيف يجوز إخراجهم من قبورهم، والقبر مختصّ بمن دفن
فيه، قد حازه فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه؟ قلت: تلك القبور لم تكن
أملاكا لمن دفن فيها؛ بل لعلها غصب، ولذلك باعها مُلاكها، وعلى
تقدير التسليم أنها حُبست فهو ليس بلازم، إنما اللازم: تحبيس المسلمين،
لا الكفار. وجواب آخرُ: أنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبشهم فجاز.
فإن قيل: هل يَجوز في هذا الزمان نبش قبور الكفار ليتخذ مكانها
مساجد؟ قلت: أجاز ذلك قوم؛ محتجين بهذا الحديث، وبما رواه
أبو داود (١) أن النبي- عليه السلام- قال: " هذا قبر أبي رِغال: وهو
أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بالحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته
النقمة فدفن بهذا المكان، وآية ذلك: أنه دفن ومعه غُصنٌ من ذهب "
فابتدر الناس فنبشوه واستخرجوا الغُصن ". قالوا: فإذا جاز نبشُها لطلب
المال فنبشها للانتفاع بمواضعها أولى، وليس حرمتهم موتى بأعظم منها
أحياء؛ بل هو مأجورٌ في مثل ذلك. وإلى جواز نبش قبورهم للمال
ذهب الكوفيون، والشافعي، وأشهبُ بهذا الحديث. وقال الأوزاعي
لا يفعل؛ لأن رسول الله لما مر بالحجر قال: " لا تدخلوا بيوت الذين
ظلموا إلا أن تكونوا باكين " فنهى أن يدخل عليهم بيوتهم، فكيف
قبورهم؟. وقال الطحاوي: قد أباح دخولها/على وجه البكاء.
فإن قيل: هل يجوز أن تُبنى المساجد على قبور المسلمين؟ قلت:
(١) كتاب الخراج، باب: نبش القبور العادية يكون فيها المال (٣٠٨٨)