والعقل وإن جوزها إلا أنه معزول هناك، وأما الأنبياء فالحق أنهم لا يسألون، ولا ينبغي عندي أن يكون ذلك محل توقف، فضلا عن الخلاف، وقد ورد أن جماعة لا يسألون، فهو يخصص عموم ما تقدم:
الأول: المرابط يموت مرابطا، وأحاديثه في مسلم وغيره، والمرابطة ملازمة ثغر من ثغور الإسلام لحفظه، والحناطه مدة لا بأهل، ولا لتكسب وإلا كان حاميا، لا مرابطا.
والثاني: الشهيد، وحديثه في النسائي وغيره.
والثالث: الملازم على قراءة تبارك الملك كل ليلة، وحديثه في الترمذي وغيره.
الرابع: المريض بالبطن، وحديثه في ابن ماجه والنسائي وغيرهما، وهل هو من يصيبه الضرب، وهو الإسهال، أو الذي يصيبه الاستسقاء قولان، قال القرطبي: والثاني هو أظهر القولين، قال: وصاحب الاستسقاء قل أن يموت إلا بالضرب، فهو جامع لكل ضعيف.
الخامس: الميت ليلة الجمعة، أو يومها، وحديثه متصل في نوادر الأصول للترمذي، وغيره، قال القرطبي: وإذا كان الشهيد لا يفتن يعني: لا يسأل، فالصديق أجل خطرا وأعظم أجرا، وإذا لم يسأل المرابط الأدنى من الشهيد، فالصديق الأعلى منه المقدم عليه في آية} أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا {لا يسأل من باب أولى، فجملتهم ستة، وزيد الميت بالطاعون، أو في زمنه، ولو بغير طعن صابرا محتسبا، قال الفاكهاني: إن الظاهر عندي سؤال الملائكة، وجزم الجلال السيوطي بسؤال الجن لتكليفهم، وعموم الأدلة، وتوقف الفاكهاني في أهل الفترة والمجانين والبله، وقد نظم الذين لا يسألون بعضهم، فقال:
عليك بخمس فتنة القبر تمنع ... وتنجا من التعذيب عنك وتدفع
رباط بثغر ليلة ونهارها ... وموت شهيد شاهد السيف يلمع
ومن سورة الملك اقتري كل ليلة ... ومن روحه يوم العروبة تنزع
كذاك شهيد البطن جاء ختامها ... مع الهدم محروقا كذا يتنوع
وفي كلام ابن حجر آخر الجنائز مناقشة في ذلك، والذي أجاب به الحافظ ابن حجر أن الميت يقعد في قبره ويسأل، وأجاب أيضا أن الروح تلبس جميع البدن، وقال: ولكن ظاهر الأخبار أنها تحل نصفه الأعلى، وأما مخاطبة الملك، أو الملكين جميع الموتى في الأماكن المتباعدة في الوقت الواحد، فالجواب عنه أن عظم جثتهما يقتضي ذلك، فيخاطبان الخلق الكثير في الجهة الواحدة مخاطبة واحدة بحيث يخيل لكل واحد من المخاطبين أنه المخاطب دون من سواه، ويمنعه الله عن سماع جواب بقية الموتى.
قال السيوطي: قلت: ويحتمل تعدد الملائكة المعدة لذلك، كما في الحفظة، ورأيت الحليمي من أصحابنا ذهب إليه، فقال في منهاجه: والذي يشبه