(سئل) في رجل ضاف صديقا له في جملة أضياف، فرأى في منزل مضيفه فنجانا فأعجبه، فقال لمضيفه: أعطني هذا فامتنع من إعطائه له، فقال: علي الطلاق بالثلاث أني لا أخرج إلا به فأخذه واحد من الجماعة فسقط من يده فانكسر، فجمعوا مكسره وأعطوه له فخرج به فهل يقع عليه االطلاق، وإذا قلتم لا، وأفتى بعض العلماء بوقوعه يكون إفتاؤه بذلك خطأ.
(أجاب) من المبدع للإيجاد يحصل الإمداد لا يخفى على من مارس الفقه ودارسه واستفاد وأفاد ونظر في تطاعن فرسان الفقهاء وتجاول أفهام العلماء وأدرك المعنى من مورده وحقق الفرق من مصدره وأخذ الحكم عن اليقين لا على الظن والتخمين وتبع الأصل المتين والغي العارض الوهين عدم الوقوع في هذه المسألة لما يتلى عليك ويوضح بين يديك أما أولا فلأن العصمة ثابتة يقينا ولا تزال تخمينا، فأين النص الدال على الوقوع، وأما ثانيا فلأن المحلوف عليه حقيقة الفنجان وجسمه وقد خرج بها الحالف لا صورته وشكله المحال نقله أو أخذه، وأما ثالثا فإذا راجعت كلام الفقهاء في الأيمان وجدتهم لم يعولوا على الصور والشكل بل على الحقيقة والمثل، فمن ذلك قول المنهج وغيره ويتناول الخبز كل خبز ولو من أرز أو باقلاء أو ذرة أو حمص وإن ثرده فظاهر قوله ويتناول الخبز إلى آخره أن ذلك يشمل الأكل وعدمه والأخذ وعدمه، فتأمل قولهم وإن ثرده فلم ينظروا فيه إلا للحقيقة لا للصورة والشكل نعم لو كان للشيء اسم خاص يزول بطريان فعل عليه اتبع كما لو حلف لا آكل ذا البر حنث به على هيئته ولو مطبوخا على غيرها كطحينه وسويقه وعجينه وخبزه لزوال اسمه، فتأمل قولهم: ولو مطبوخا المقتضي لتفرق أجزائه فلم ينظروا لذلك، ومن ذلك قولهم: لو حلف ليأكلن ذا الطعام غدا فتلف بنفسه أو بإتلاف، أو مات الحالف في غد بعد تمكنه من أكله، أو أتلفه قبله أي قبل تمكنه حنث من الغد بعد مضي زمن تمكنه لأنه تمكن في البر في الأولين وفوت البر باختياره في الثالثة بخلاف ما لو تلف أو مات هو أو أتلفه غيره قبل التمكن فلا حنث لأنه كالمكره .. انتهى. فتأمل قولهم بخلاف ما لو تلف أو مات هو أو أتلفه غيره قبل التمكن فلا حنث لصريح ذلك في مسألتنا بل أولى مسألتنا بعدم الوقوع لأن في مسألتنا حقيقة الفنجان باقية والمسألة المنصوص عليها عدم الطعام قبل التمكن فقياسها الفنجان لو عدم قبل تمكن الحالف من أخذه بالكلية كوقوعه في بحر أنه لا يقع على الحالف طلاق، ولهذا نظائر كثيرة ووقع من الأئمة فتاوى مبنية على هذا الأصل وهو التمكن وعدمه على أمر مستقبل بخلاف أمر ماض فقد ألفوه في فروع كثيرة، ومن ذلك ما وقع للشهاب الرملي في الفتاوى