الصريح في مسألتنا بل أولى المبني على الفرع المذكور، وإن لم يذكر إلينا فإنه سئل عن شخص حلف بالطلاق على شخص أنه يأكل هذه القطعة اللحم، فقال: أنا شبعان وسآكلها فتركها، فأخذت وعدمت، فهل يقع عليه الطلاق أو لا؟
فأجاب: إنه لا يقع عليه الطلاق إن فقدت قبل تمكن المحلوف عليه من أكلها .. انتهى. وهنا لو فقد الفنجان قبل تمكن الرجل من أخذه لا يحنث أخذا مما ذكر المأخوذ من الفرع المذكور، وإذا فهمت هذا المقام فهمت ما ذكره ابن حجر من التنبيه في باب تعليق الطلاق بالأزمنة وذكر فيه عشرين فرعا، أحد عشر أوقعوا فيها الطلاق وألغوا المحال، من ذلك نحو: أنت طالق أمس؛ فيقع حالا ويلغوا قوله أمس، ومن ذلك: أنت طالق قبل أن تخلقي، وفي أنت طالق لا في زمن وفي أنت طالق للبدعة، ولا بدعة لها، وللشهر الماضي، وفي أنت طالق الآن طلاقا أثر في الماضي، وفي أنت طالق اليوم غدا، وفي أنت طالقة سنية بدعية، وفي أنت طالق الطلقة الرابعة؛ قال: ويلحق بهذه المسائل أنت طالق أمس غدا، أو غد أمس من غير إضافة.
والحاصل أن في هذه المسائل يلغى المحال، ويعمل بالممكن، ويخالف هذه الفروع كلها عدم الوقوع أصلا نظرا للمحال في أنت طالق بعد موتي أو معه، وفي أنت طالق بعد انقضاء عدتك، وفي أنت طالقة طلقة بائنة لمن يملك عليها الثلاث، أي مثلا ورجعية لمن لم يملك عليها سوى طلقة أو لغير موطوءة، وفي أنت طالق الآن أو اليوم إذا جاء الغد، أو إذا دخلت الدار، وفي أنت طالق إن جمعت بين الضدين، أو نسخ رمضان، أو تكلمت هذه الدابة. والحاصل أن الطلاق لا يقع في هذه الصور الأخيرة نظرا للمحال، ووقع في تلك إلغاء للمحال، وذلك إما لما ذكرنا من البناء على الفرع المذكور وهو الإمكان وعدمه، أو لما انحط عليه كلام ابن حجر وإن طال الكلام على ذلك وهو أن المحال إذا كان ماضيا ألغي، وإن كان مستقبلا فلا يلغى، ولكن بعد تحقق النظر في كلامه ثم يخرج عدم الوقوع على فرع آخر وهو أن الإكراه تارة يكون حسيا، وتارة يكون شرعيا، وتأمل قولهم: إذا تلف الطعام قبل التمكن أو مات الحالف قبله أو أتلفه غيره حيث عللوا الوقوع بأنه كالمكره، وهنا لو تعذر أخذ الفنجان صار الحالف كالمكره على عدم أخذه لوجود الحيلولة بينه وبينه، فهو نظير ما لو منعه أحد من أخذه قهرا، أو أخرج من البيت قهرا، فلا يقع عليه طلاق.
وراجع الإسنوي في الكوكب بأنه لا بد في القسم من نون التوكيد وإلا فاليمين لغو، وإن كنا نرى في فتاويهم وأمثلتهم عدم التزام ذلك، لكن ما ذكره الإسنوي هو صريح كلام النحاة واللغة والآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار العربية، وقد ظهر لك عدم الوقوع في هذه المسألة بالنقل الصحيح، والإفتاء بالوقوع تساهل صريح