للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرض والصحة والموت والحياة والنوم والانتباه والفقر والغنى والعجز والقدرة، ومن علم أن الله تعالى منفرد بالخلق والتدبير فلا يفكر في تدبير نفسه، بل يكل تدبيره إلى خالقه كما قال تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار} لأنه إذا كان يخلق ما يشاء فهو مدبر ما شاء، فمن لا خلق له لا تدبير له،} أفمن يخلق كمن لا يخلق {} ما كان لهم الخيرة {جل أن يكون لهم خيرة معه في شيء من أمورهم، فمن ادعى الاختيار في شيء من التدبير فهو مشرك منازع للربوبية بلسان حاله، وإن تبرأ من ذلك بمقاله. قال أهل المعرفة: من لم يدبر دبر له، وإن كان لا بد من التدبير فدبر أن لا تدبر، والله تعالى أعلم.

[مطلب هل يجوز الخروج على ولاة الأمور ولو جاروا]

(سئل) هل يجوز الخروج على ولاة الأمور وعدم طاعتهم فيما يأمرون وينهون عنه، ولو كانوا جائرين في حكمهم وأمورهم؟.

(أجاب) يحرم الخروج على ولاة الأمور لما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه، وقتالهم حرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث على ذلك، وأجمع أهل السنة أن السلطان لا ينعزل بالفسق، وتجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم تخالف حكم الشرع، وإن كان جائرا؛ لخبر: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وفى خبر: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد» المعنى: أطيعوا أولي الأمر ولو كان على سبيل الفرض والتقدير عبدا؛ لأن العبد لا يكون واليا، ويجوز أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بفساد الأمر ووضعه في غير أهله، حتى توضع الولاية في العبد، فإذا كان فاسمعوا وأطيعوا تغليبا لأهون الضررين، وهو الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته؛ ليلا يؤدي عدم الطاعة إلى فتنة صماء عمياء لا دواء لها ولا خلاص منها، وقد تكاثرت الروايات عنه - صلى الله عليه وسلم - أن أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمور إنما هو في طاعة الله تعالى؛ لقوله صلى الله علية وسلم: «إنما الطاعة في المعروف» وخطب عمر بن عبد العزيز حين استخلف فقال في خطبته: أطيعوني ما أطعت الله تعالى، فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم، والله تعالى أعلم.

[مطلب الإيمان هل هو مخلوق أو لا الخ]

(سئل) عن الإيمان هل هو مخلوق أم غير مخلوق؟ وما تعريفه؟.

(أجاب) الإيمان عند جمهور المحققين تصديق القلب بما علم ضرورة مجيء الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند الله تعالى به، والإقرار باللسان إنما هو شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، وقيل: إنه الإقرار والتصديق معا، وقيل: إنه الإقرار والأعمال، وعلى كل قول منها هو مخلوق لأنه فعل العبد المخلوق، وقول أبي الليث السمرقندي في جواب أنه مخلوق أو لا: الإيمان إقرار وهداية، والإقرار صنع العبد، وهو مخلوق، والهداية صنع الرب، وهو غير

<<  <  ج: ص:  >  >>