للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة، فأنزل الله عز وجل: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك} أي: نحولك ونصرفك عن بيت المقدس إلى القبلة التي تحبها وتميل إليها وهي الكعبة والله أعلم.

[مطلب في قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن}]

(سئل) عن قوله تعالى: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} وقال تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} فقد أخبر تعالى بأنه لا يتيسر للبشر، بل للإنس والجن، الإتيان بمثل سورة منه، وأقل السور ثلاث آيات.

ثم حكى عن موسى -مع اعترافه بأن هارون أفصح منه لسانا وأوضح منه بيانا - أحد عشر آية منه وهو قوله: {رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري} إلى: {كنت بنا بصيرا} وقال إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا} إلى {يوم الحساب} ست آيات. وفي القرآن من هذا النمط كثير عن فرعون وغيره من مؤمنين وكافرين، فالجواب عن ذلك: فقد يكذبنا المعاند والمخالف من لا يؤمن بالقرآن.

(أجاب) الجواب عن ذلك من وجوه منها أن المحكي لا يلزم أن يكون بهذا النظم بعينه إذ لغة موسى عبرانية وإبراهيم عربية، فالظاهر أن جميع القصص المحكية عن الأنبياء وغيرهم أنها محكية بالمعنى.

ومنها أن بعضهم اختار في المتحدى به منه أن يكون سورة من الطوال أو عشر سور من الأوسط وإن لم نقل به، ومنها أن المراد من الجن والإنس من كان في عصر محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده إلى آخر الزمان، فلا ينافي أن بعض الأنبياء السابقين والأمم الماضين يأتي بما أخبر عنه تعالى.

ومنها أنا إذا قلنا: إعجاز القرآن بالصرفة، فما صرف عنه تعالى إلا من كان في عصر محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده، وفي هذين الجوابين الأخيرين نظر لإحصائهما أن خصيصة القرآن بهذه الأمة ممكنة لغيرها، وقد يقال: إن خصيصتها به من حيث المجموع لا بإبعاضه.

ومنها أن للغة العرب من المزايا والخواص والارتباطات والنسب والإضافات ما ليس لغيرها، فلما جاءت هذه الألفاظ المحكية عن موسى وإبراهيم وغيرهما على قانون لغة العرب بعد تسليم أنها حكيت عنهم بهذه الألفاظ اكتسبت بلاغة وإعجازا لم يكن لها في حال تكلم إبراهيم وموسى بها، وبهذا أجبت مما أوردته على كثير من الفضلاء وجم غفير من النبلاء ما ورد أن معاني الكتب غير القرآن في القرآن، ومعنى القرآن غير الفاتحة في الفاتحة ومعنى الفاتحة غير البسملة في البسملة مع أن البسملة موجودة في غير القرآن، كما حكى الله تعالى ذلك عن سليمان بقوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} وورد أيضا كما في الجامع الصغير: بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب، فقلت لهم: إذا يكون معنى القرآن

<<  <  ج: ص:  >  >>