(أجاب) حيث علم إعسار من عليه الدين بما ذكره الفقهاء لا يلازم ولا يحبس ولا يشدد عليه في الطلب ولا يلزم بكسب ولا إجارة نفسه، لقوله تعالى {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} قال في المنهج: نعم يلزمه الكسب لدين عصى بسببه، كما نقله ابن الصلاح عن محمد بن الفضل الفزاري، قال أيضا في المنهج وشرحه لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري: وإذا ثبت إعساره عند القاضي أمهل حتى يوسر فلا يحبس ولا يلازم للآية السابقة، بخلاف من لم يثبت إعساره، نعم لا يحبس الوالد للولد ولا المكاتب للنجوم ولا من وقعت على عينه إجارة للدين إذا تعذر عمله في الحبس، بل يقدم حق المكتري .. انتهى، ولا يخفى أن أهل الفضل والمروءة والأشراف يعاملون بالرفق والإنصاف، ولا يجوز لهم الإسراف ولا الاعتساف لأنهم أحق بحفظ حقوق الله تعالى وحقوق عباده؛ لأن وفاء الدين واجب والكرم والسماحة مستحبة والواجب مقدم على المستحب، ولكن لما آل الأمر إلى الإعسار وجب على صاحب الحق الإنظار ويدعو له بالليل والنهار أن يسوق الله تعالى له خيرا كي يقضي الحق ويخلص ذمته من الدين، وأما التشديد والأذية مع خلو اليد عن الوفاء فمن أكبر البلية لأن ذلك من التكليف بما فيه البلاء والتعسيف، وعلى قاضي الجنة أن يعرفه أن مثل هذا لا ينبغي أن يشدد عليه ويمنعه من أذاه ولا يسمع دعواه ولا يقبل شكواه إلى أن يحصل له الفرج من مولاه فيخلص من بلواه وعلى من عليه الدين الاجتهاد والتوسل لرب العباد أن يخلص ذمته ويجيب دعوته لأنا نشم من هذا السؤال أن المدين تساهل بالتبذير فحصل منه نوع تقصير نسأل السميع البصير أن يسهل عليه العسير وأن يسد عنه القليل والكثير لأنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، والله تعالى أعلم.
[مطلب: رجل عليه دين لازم له .. إلخ.]
(سئل) في رجل عليه دين لازم له عليه أداؤه وله وظائف وجهات، فهل يلزمه النزول عنها بدراهم ليوفي بذلك ما عليه من الدين؟.
(أجاب) نعم يلزمه النزول عنها لأن مالها حاصل قطعا وبراءة الذمة واجب شرعا، والله أعلم.
[مطلب: رجل استدان من جماعة من الناس .. إلخ.]
(سئل) في رجل استدان من جماعة من الناس أموالا كثيرة وأخذ يبيع ويشتري ولم يعرف له ذهاب مال وثبت المال عليه لدى حاكم الشرع أيدت أحكامه يريد أن يدعي الإعسار، فهل يعمل بمجرد قوله أو يحبس ويستدام حبسه أو لا؟.
(أجاب) حيث عرف له مال لا يعمل بقوله، بل لا بد من بينة عادلة تخبر باطنه بطول جوار وكثرة مخالطة، فإن الأمور لا تخفى، فإن عرف القاضي أن الشاهد بهذه الصفة فذاك وإلا فلا اعتماد بقوله أنه بها فيديم القاضي حبسه إلى أن يظهر له وجه الصواب ولا سيما إن عرف منه التعنت، والله أعلم.