للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعالى في ذلك؟ ولا يكون منه ظلم كما زعمته المعتزلة، قبحهم الله تعالى؟.

(أجاب) نعم يجوز له سبحانه وتعالى أن يعاقب الطائع ويثيب العاصي؛ لأنه ملكه يتصرف فيه كيف يشاء، لكنه سبحانه وتعالى لا يقع ذلك منه لإخباره بإثابة المطيع وتعذيب العاصي، وهذا رد أيضا على المعتزلة - قبحهم الله تعالى - حيث قالوا: يجب على الله تعالى أن يفعل بعباده ما هو الأصلح في حقهم، فهذا باطل؛ لأنه تعالى لو وجب عليه الأصلح لعباده لما خلق الكافر الفقير يعذب في الدنيا بالفقر وفي الآخرة بالعذاب الأليم المخلد، سيما المبتلى في الدنيا بالأسقام والمحن والآفات، وأيضا لو وجب عليه الأصلح لما بقي للتفضل مجال ولم يكن له تعالى خيرة في الأفعال، وهو باطل لقوله تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار}} يختص برحمته من يشاء {وقال صاحب الجوهرة:

وقولهم أن الصلاح واجب ... عليه زور ما عليه واجب

يعنى أن هذا القول من المعتزلة قول باطل زور، مزين الظاهر فاسد الباطن، وليس عليه تعالى لخلقه شيء واجب من فعل أو ترك؛ لأن أفعاله كلها جائزة بالنظر إلى ذاتها، واقعة على سبيل الإحسان والفضل، أو على وجه المؤاخذة والعدل، لا يجب منها شيء عقلا ولا يستحيل؛ لأنه تعالى فاعل بالاختيار، فلو وجب عليه فعل شيء أو تركه لما كان مختارا فيه؛ لأن المختار هو الذي يتأتى منه الفعل والترك، وله سبحانه وتعالى أن يؤلم الأطفال والدواب كما يشاهد به من لا ذنب له من الأطفال والدواب وشدة مرضهم وطول أوجاعهم، حتى الأطفال الرضع من غير عمل منهم سابق، وذلك عدل منه يتصرف في ملكه ما يشاء وأراد، فلا يتخيل متخيل أن ذلك ظلم منه، فإن وصفه بالظلم مستحيل استحال ذلك عقلا وسمعا، أما العقل فلأن الظلم إنما يعرف بالنهي عنه، ولا يتصور في أفعاله تعالى ما ينهى عنه؛ إذ لا يتصور له ناه ولا آمر؛ لأن العالم العلوي والسفلي ملكه وخلقه، ولا يتصور الظلم في ملك الإنسان لأنه وضع الشيء في غير محله، وذلك مستحيل على المحيط بكل شيء علما. وأما السمع فمما لا يحصى من الآيات والأحاديث، منها قوله تعالى {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} وقوله {إن الله لا يظلم الناس شيئا} وخبر: «يقول الله تعالى: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد له ناصرا غيري» وخبر: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» والله أعلم.

[مطلب في الملائكة هل يأكلون ويشربون وينامون]

(سئل) عن الملائكة هل يأكلون ويشربون وينامون؟ وهل عندهم ليل أو نهار؟ أوضحوا لنا ذلك أثابكم الجنة.

(أجاب) الملائكة أجسام نورانية قادرون على التشكل بأشكال مختلفة، وقوتهم التسبيح، فلا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون، والظاهر أن لا ليل عندهم لأن نورهم يأباه، والليل إنما هو في هذا العالم بدليل أن الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>