اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم بالليل والنهار في البحر والبر في السفر والحضر في الغناء والفقر في الصحة والسقم والسر والعلانية وعلى كل حال، وقال: سبحوه بكرة وأصيلا، فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته، قال الله تعالى:{هو الذي يصلي عليكم وملائكته. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله {اذكروا الله ذكرا كثيرا} قال: باللسان التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، واذكروه على كل حال، وسبحوه بكرة وأصيلا، يقول: صلوا له بكرة بالغداة وأصيلا بالعشي.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد قال: لما نزلت} إن الله وملائكته يصلون على النبي {فقال أبو بكر: يا رسول الله ما أنزل عليك خير إلا أشر كنا فيه، فنزلت هو الذي يصلى عليكم وملائكته} فإذا تأملت رواية ابن عباس: وعلى كل حال، ورواية مقاتل في قوله: واذكروه على كل حال، علمت صحة قول الأصوليين المذكور، وشمل كل حال حال الحركة والسكون، وشمل الذكر القرآن وغيره، بل القرآن أجل الذكر، وليس في ذلك من التشبه باليهود بحال؛ لأن حال الذاكر والقارئ لكتاب الله عز وجل من أين تكون لليهود ومن أين لهم التلبس بها حتى نشابههم فيها، ويبقى النظر في أن الحركة أولى أو السكون، قد يقال: إن الحركة أولى، ويدل لذلك أن جبريل عليه السلام لما جاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بغار حراء، فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثلاثا، فهذا دليل على طلب الحركة للذكر، ويدل له أيضا أن الله تعالى شبه المنافقين بالخشب المسندة ذما لهم، قال البيضاوي: مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحا خالية عن العلم. انتهى. ويدل له قوله تعالى:{قل سيروا في الأرض فانظروا} فإن السير في الأرض يلزمه الحركة المترتب عليها النظر الموجب للعلم، وقد يقال: إن ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس، فرب ذاكر ساكن غافل، فإذا تحرك تيقظ، فالحركة أولى له، ورب ذاكر متحرك الحركة تذهب خشوعه، فالسكون له أولى، ورب ذاكر قارئ يستوي عنده الحالان، فيفعل ما شاء، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات، والله تعالى أعلم.
[مطلب: ما معنى قوله تعالى: {صبغة الله} إلخ؟]
(سئل) ما معنى قوله تعالى: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}؟
(أجاب) قال ابن عباس: {صبغة الله} أي: دين الله تعالى، وإنما سماه صبغة؛ لأن أثر الدين يظهر على المتدين كما يظهر أثر الصبغ على الثوب، وقيل: هي فطرة الله، وقيل: سنة الله، وقيل: أراد به الختان؛ لأنه يصبغ على المختتن بالدم. قال ابن عباس: إن النصارى إذا ولد لأحدهم مولود وأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم أصفر يسمونه: ماء المعمودية، وصبغوه به ليطهروه مكان الختان، وإذا فعلوا ذلك قالوا: