للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمبالغة؛ لأن الطول في العادة يكون أكثر من العرض، تقول: هذه صفة عرضها فكيف بطولها؟ وذلك بأنه لو جعلت السماوات والأرض طبقا طبقا، ثم وصل البعض بالبعض حتى يكون طبقا واحدا كان ذلك مثل عرض الجنة، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله تعالى. روي أن هرقل أرسل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول له: إنك كتبت تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض فأين النار؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار؟» والله تعالى أعلم.

(سئل) عن قوله تعالى: {وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين؟ ما الحكمة في ذلك مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يحتاج لمشاورة أحد؟

(أجاب) قيل: أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بمشاورتهم تطييبا لقلوبهم مع كمال عقله - صلى الله عليه وسلم - وجزالة رأيه ونزول الوحي عليه، وكان - صلى الله عليه وسلم - كثير المشاورة لهم، وقال علي كرم الله وجهه: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك الندم، فإذا عزمت على إمضاء ما تريد بعد المشاورة فتوكل وثق بالله تعالى، واستعن به في أمورك كلها، ولا تعتمد إلا عليه؛ فإنه ولي الإعانة والعصمة والتسديد. والمقصود لا يكون للعبد اعتماد على شيء إلا على الله في جميع أموره، وإن المشاورة لا تنافي التوكل، والله سبحانه وتعالى يحب المتوكلين عليه في جميع أمورهم، فيجب أن يتوكل العبد في كل الأمور على الله تعالى لا على غيره. روي عن عمران بن حصين أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محيصن: فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم. فقام آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله لي أن يجعلني منهم. فقال - صلى الله عليه وسلم -: سبقك بها عكاشة». وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا» والله أعلم.

[مطلب: في قوله تعالى {إن الله لا يظلم مثقال ذرة}]

(سئل) عن قوله تعالى {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تكن حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}؟

(أجاب) يعني أن الله تعالى لا يظلم أحدا وزن ذرة، وهي رأس نملة حمراء كما قال ابن عباس. وقيل: الذرة من أجزاء الهباء الذي يكون في الكوة إذا كان فيها ضوء الشمس لا وزن لها، وهذا مثل ضربه الله عز وجل لأقل الأشياء، والمعنى أن الله تعالى لا يظلم أحدا شيئا من قليل ولا كثير، وإن تك الذرة حسنة من مؤمن يضعفها من عشر إلى أكثر من سبعمائة. روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>