للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوم نفسا، فإذا تنفس مد البحر وإذا رد نفسه زجر، فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها، وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه: {فتكن في صخرة}، ولم يكن للصخرة مستقر، فخلق الله تعالى نونا وهو الحوت العظيم، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده والحوت على البحر والبحر على متن الريح والريح على القدرة، يقال: إن الدنيا كلها بما عليها حرفان، قال لها الجبار: كوني، فكانت.

قال كعب الأحبار: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس له فقال له: أتدري ما على ظهرك يا لوثا من الأمم والدواب والشجر والجبال، لأن نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك، فهم لوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله تعالى دابة فدخلت منخره فدخلت إلى دماغه، فعج الحوت إلى الله تعالى، فأذن لها فخرجت.

قال كعب: والذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت.

وقال الحسن وقتادة والضحاك: النون الدواة والقلم هو الذي كتب الله به الذكر وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض، ويقال: أول ما خلق الله تعالى القلم ونظر إليه انشق نصفين ثم قال: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى على اللوح المحفوظ بذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.

[مطلب في قوله تعالى: {إذا الشمس كورت} إلخ.]

(سئل) ما معنى قوله تعالى: {إذا الشمس كورت} إلى قوله: {علمت نفس ما أحضرت}؟.

(أجاب) تكويرها ذهاب ضوئها، وقيل: اضمحلالها. وقال الزجاج: لفت كما تلف العمامة، يقال: كورت العمامة على رأسي أكورها كورا وكورتها تكويرا إذا لففتها ومعناه: أن الشمس يجمع بعضها إلى بعض ثم تلف، فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها.

قال ابن عباس: يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ثم يبعث عليها ريحا دبورا فتضرمها فتصير نارا.

قوله تعالى: {وإذا النجوم انكدرت}. أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض يقال: انكدر الطائر أي سقط عن عشه. قال الكلبي وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم إلا وقع.

قوله تعالى: {وإذا الجبال سيرت} عن وجه الأرض، فصارت هباء منثورا. {وإذا العشار عطلت} وهي النوق الحوامل التي أتى على حملها عشر أشهر واحدتها عَشْرَا، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة، وهي أنفس مال عند العرب {عطلت}: تركت مهملة بلا راع، أهملها أهلها وكانوا لازمين لأذنابها، ولم يكن لهم مال أعجب إليهم منها لما جاءهم من أهوال يوم القيامة.

{وإذا الوحوش حشرت} يعني ذوات البر، جمعت بعد البعث ليقتص بعضها من بعض، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: حشرها موتها، وقال: حشر كل شيء الموت إلا الجن والإنس فإنهما يوقفان يوم القيامة. {وإذا البحار سجرت} قال ابن عباس: أوقدت

<<  <  ج: ص:  >  >>