وحدود الله تعالى قوية، خوف أن يلحقكم فيه نكد وبؤس، كما وقع لمن قبلكم. وقال في البحر: وليس في قوله: نحس، على جهة الطيرة، وكيف يريد ذلك والأيام كلها لله تعالى، وقد جاء في تفضيل بعض الأيام على بعض أخبار كثيرة، وهو من الفأل الذي يحبه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأما الطيرة فيكرهها - صلى الله عليه وسلم - وليست من الدين، بل من فعل الجاهلية، وأما حمل الحديث على الأربعاء الذي أرسل فيه الريح على قوم عاد بخصوصه فمنافر للسياق، مع أنه لا يلزم من تعذيب قوم فيه كونه نحسا على غيرهم، وحمله على أنه نحس على المفسدين لا على المصلحين، والحاصل أن توقي يوم الأربعاء على وجه الطيرة وظن اعتقاد المنجمين، حرام شديد التحريم؛ إذ الأيام كلها لله تعالى لا تضر ولا تنفع بذاتها، وبدون ذلك لا خير ولا محذور، ومن تطير أحاطت به نحوسته، ومن أيقن أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله تعالى لا يؤثر فيه شيء، وقال الشاعر:
فتعلم انه لا طير إلا ... على متطير وهو الشرور
والله أعلم.
[مطلب أبعد الناس من الله تعالى يوم القيامة القاص]
(سئل) عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: أبعد الناس من الله يوم القيامة القاص الذي يخالف إلى غير ما أمر به، ما معنى ذلك؟.
(أجاب) معرفة القاص الذي يأتي بالقصص ويتبع ما حفظ منها شيئا فشيئا، وقيل: القص: تتبع أثر الوقائع والأخبار، والمعنى أيضا الذي يخالف قوله فعله، ويعدل إلى غير ما أمر به من التقوى والاستقامة، والمراد به من يعلم الناس العلم ولا يعمل به، ومن هو كذلك لا ينتفع بعلمه غالبا، قال تعالى:{أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} وقال تعالى: {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وأوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم أن عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستح مني. وإذا لم يعمل العالم بعلمه زلت موعظته من القلوب كما يزل القطر عن الصفا، فحق الواعظ أن يتعظ ثم يعظ ويهتدي ثم يهدي ويبصر ثم يبصر، ولا يكون دفترا يفيد ولا يستفيد، ومنزلة الواعظ من الموعوظ كالمداوي من المداوى، وإذا قال الطبيب للناس: لا تأكلوا كذا فإنه سم، ثم رأوه يأكله يصير كلامه سخرية وهزوا، فلا أحد يعبأ بكلامه، كذا الواعظ من الموعوظ، والله أعلم.
[مطلب أبغض الرجال إلى الله تعالى الألد الخصم الخ]
(سئل) عن قوله - صلى الله عليه وسلم - «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» ما المراد بالألد الخصم؟.
(أجاب) الألد هو شديد الخصومة بالباطل، والخصم: المولع بالخصومة الماهر فيها الحريص عليها المتمادي في الخصام بالباطل، لا ينقطع جداله، وهو يظهر أنه على الحسن الجميل، ويوجه لكل شيء من خصامه وجها ليصرفه عن إرادته من القباحة ويزين شقشقة الباطل، بحيث صار ذلك عادته وديدنه، ومنه قوله تعالى:{لتنذر به قوما لدا} والله أعلم.
(سئل) ما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - إذا مررتم بأهل الشره