في عصر من العصور لاختلافه في سائر الدهور، كما هو معلوم مشاهد عند الجمهور، ولا شك ولا ريب لأحد أن هذا المال المصروف في العمارة المأذون فيها بالإذن الشرعي له مقابل من الأجرة؛ لأنه لم يوضع مجانا، والعبرة في الأجرة بحال العقد، وإن حصل زيادة أو راغب بعد ذلك لا يعتبر، كيف والزيادة إنما حصلت بسبب صرف هذا المال الذي لو صرف في دكان مستقل لكان له من الأجرة ما له وقع، والله تعالى أعلم.
[مطلب في دار موقوفة قد تطاول عليها الزمان الخ]
(سئل) في دار موقوفة قد تطاول عليها الزمان وتداول عليها الملوان، وآلت إلى الخراب، فأذن الناظر عليها لشخص يعمرها ليصير ما يعمرها به دينا له عليها، بعد أن استأذن الناظر الحاكم في ذلك، فعمر المأذون له بقدر طاقته وضبط ما عمر به وكتب بموجبه حجة شرعية، ثم إن المعمر طلب ما صرفه في العمارة من الناظر فلم يجد في جهة الوقف ما يدفعه له فرفع الأمر إلى الحاكم واستأذنه في إجارتها مدة طويلة لضرورة وفاء الدين الثابت، وضرورة ما يحتاج إليه من العمارة أيضا، فهل يجوز إجارتها المدة الطويلة بأجرة معجلة لوفاء الدين، وليكون ما يعمر به المستأجر للدار دينا عليها، وإن كان ذلك مخالفا لشرط الواقف أم كيف الحال؟.
(أجاب) حيث أذن الحاكم للناظر وأذن هو للغير أن يصرف على عمارة الدار الموقوفة لضرورة العمارة وصرف الغير مالا، صار دينا له على جهة الوقف، كما عليه المتأخرون؛ شافعية وغيرهم، فغالب الأقطار تجدها على هذا المنوال في الأوقاف حفظا للآثار، كما هو معلوم مشاهد عند الأخيار، لا يقال الدين إنما يلزم الذمم؛ لأنا نقول الحصر ممنوع لأن بيت المال يستدان عليه والمساجد كذلك، وإجارة الأوقاف بالإجارة الطويلة جائزة للحاجة، حيث لا مخالفة لشرط الواقف، كما نقله الرملي في شرحه عن والده، فإن دعت ضرورة جاز إيجار الوقف مدة طويلة لأجل العمارة، كما صرح به ابن حجر والرملي، وإن خالف شرط الواقف. وعبارة المناوي في تسهيل الوقوف: وتجوز مخالفته - أي شرط الواقف - حالة الضرورة، كأن لم يوجد غير مستأجر الأول، وقد شرط أن لا يؤجر لإنسان أكثر من سنة، أو انهدام العقار المشروط أن لا يؤجر إلا كذا، ولا يدخل عقد على عقد وأن لا يؤجر ثانيا ما بقي من مدة الأول شيء، أو أشرف على الانهدام بأن تعطل النفع به من الوجه المقصود للواقف كالسكنى، ولم يمكن عمارته إلا بإيجاره أكثر، فيؤجر بأجرة مثله مراعى فيها تعجيل الأجرة المدة الطويلة؛ إذ يتسامح لذلك في الأجرة بما لا يتسامح به في إجارة كل سنة على حدتها، وقد قال السبكي: تقويم المنافع مدة مستقبلة صعب؛ أي فليحتط ويستظهر لتلك الأجرة بقدر ما بقي بالعمارة فحسب، مراعيا لمصلحة الوقف لا الموقوف عليه،