بذلك الأجر والثواب من الكريم الملك الوهاب؛ ولتكون سببا لنجاتي من العقاب؛ وطمعا بعدي في دعوة عبد صالح مجاب بعد انتقالي من هذه الدار لدار الثواب.
ولنذكر نبذة من مناقب المصنف - رحمه الله تعالى-: كان رضي الله تعالى عنه كهفا في العلوم، بحرا في المنطوق والمفهوم، صاحب كرامات ظاهرة، ومقامات عالية وعبارات باهرة، وإشارات سامية، وحقائق زاهرة، وأنفاس نامية، وهمم متوايلة، وأحوال خارقة، وأسرار ناطقة، وأفعال صادقة، ونفحات قدسية، ومعارف روحانية، وفتوح ملكوتية، ورياضات ومجاهدات أبرز الله تعالى له المغيبات، وخرق له العادات، وكشف له المواد الخفيات، وقصد لحل المشكلات، ويسر له فعل الطاعات، ووفقه لأداء الفرائض في أول الأوقات، وكان مجلسه كمجالس الأنبياء عليه وقار وهيبة، وأوهبه الله تعالى العز والوقار والبهاء والكمال والفخر والافتخار.
وكان صدرا في المجالس، وإذا تكلم بشيء يرجع الكل إلى قوله وكلامه، وأوقع الله تعالى له القبول التام في الصدور، والمهابة والقبول في قلوب العالم، وألقى الله تعالى هيبته في قلوب الكفار، خصوصا بلاد النصارى؛ كانوا يحسبون حسابه، ويخافون سطوته وبأسه، وأجمع أهل الآفاق على جلالته وفضيلته، وقصدوه بالزيارة من سائر الأقطار، وكان جمع الله تعالى له علم الحقيقة والطريقة والشريعة، وانتهت إليه الطريقة في ترتيب المريدين الصادقين.
وكان وعظه يطرب السامعين وينعش الناظرين، ويحيي القلوب الميتين، وكان من طريقته إسقاط الجاه وترك التصنع، واستعمال الإخلاص، محبا لأهل الصلاح، مهتما بأمور المسلمين، معظما للفقراء والمساكين، حسن الخلق، شديد الهمة، كامل الأدب وافر العقل كثير التواضع، معمور الباطن، بحرا في الكلام بالسجع والنثر والشعر والانتظام.
وقد مدحه العلامة المرحوم السيد محمد ابن المرحوم السيد عبد الرحيم اللطفي رحمهما الله تعالى المفتي بالقدس الشريف حين أضافه في كرمه بمدينة السيد الخليل عليه صلوات الملك الجليل حيث قال:
إمام الفضل مولانا الخليلي ... فريد العصر والعلم الجليلي
حباه ربه لطفا وعلما ... لحل المشكلات مع الدليل
إذا وافيته تلقاه صدرا ... رحيبا بالمكارم للنزيل
أتيناه بكرم أرض حبرى ... فحيانا وأحيا بالجميل
وحملنا لطائف مذ حللنا ... وأمنحنا من الخير الجزيل
فاوفه يا إلهي غيث بر ... ونكس أنف مبغضه الرخيل
توفي رضي الله تعالى عنه في نصف شهر جمادى الثانية سنة سبعة وأربعين ومائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها ألفا ألف صلاة ألفا ألف تحية، ودفن رضي الله تعالى عنه في المدفن الذي بداخل خلوته المجاورة للسلطانية بداخل المسجد الأقصى، وصار له مشهد عظيم ما وقع لأحد في هذا الزمن، وعلى ضريحه من النور والبهاء والاحترام والوقار والجلال ما يليق بجنابه الكريم.
وقال بعض من رثاه:
رحل الخليلي للديار الباقية ... من هذه الدنيا الدنية الفانية
مولاه ناداه فلبى طائعا ... متشرفا جنات عدن عالية
قد كان في القدس الشريف ككوكب ... يضيء كالقمر المنير علانية
قد كان ذا علم وذا حلم وذا ... فضل كأمواج البحار الطامية
قد كان بحرا في العلوم مفضلا ... للدين حصنا كالسلاح الماضية
قد كان للإسلام عزا ناصحا ... أوقاته مثل النجوم الزاهية
قد كانت الكفار تخشى بأسه ... وتخاف سطوته اللئام الطاغية
يا قدس زيدي في النحيب وفي البكاء ... وجميع حولك أن يكونوا ناعية
طرف الأراضي انتقص لفراقه ... دليل هذا فالقيامة غاشية
قد غاب واأسفاه عنا في الردى ... قادم على محيي العظام البالية
إن قيل في الأجداث غاب فإنه ... في روضة حسناء تجلو سامية
يا رب بالمختار فاجمعنا به ... في جنة فيها قطوف دانية
ويقول رضوان لنا هذا بما ... أسلفتموه في الأيام الخالية
مولاي فارحمه ونعمه وأكرمـ ... ـه وأسكنه القصور العالية
جنات عدن زخرفت لقدومه ... جوزي من الرحمن خيرا وافية
لما أصبنا فيه ارخ همه ... قرب الرحيل من الديار الفانية
سنة ١١٤٧/ ٥٠
[باب ما يتعلق بتفسير القرآن العظيم]
[مطلب في: بسم الله الرحمن الرحيم، أهي من الفاتحة إلخ؟]
(سئل) عن بسم الله الرحمن الرحيم: هل هي من الفاتحة، وهل هي آية من أول كل سورة إلا براءة؟
(أجاب) اختلفوا في البسملة: فذهب قراء البصرة والمدينة وفقهاء الكوفة إلى أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور؛ والافتتاح بها للتيمن والتبرك.
وذهب قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إلى أنها من الفاتحة وليست من سائر السور.
وقيل: آية من كل سورة إلا سورة التوبة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي؛ لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القراء، واتفقوا على أن الفاتحة