مخلوق. فيه تسامح؛ لأن هداية الله تعالى للعبد سبب الإيمان لا جزء منه، والمسؤول عنه نفس الإيمان لا هو وسببه معا. ذكر ذلك العلامة الشمس الرملي - رحمه الله تعالى - في فتاواه، والله أعلم.
[مطلب الطاعة والمعصية الواقعان من العبد الخ]
(سئل) في الطاعة والمعصية والخير والشر الواقعان من العبد، هل هما مخلوقان لله وبقضاء الله تعالى وقدره أم كيف الحال؟.
(أجاب) لا شك ولا ريب أن كل شيء بقضاء الله تعالى وقدره، وهو فعال لما يريد من الخير والشر، قال تعالى {فعال لما يريد} أي من الخير والشر، وهذا رد على المعتزلة حيث قالوا: إنما يريد الخير فقط، فهو فعال للخير دون الشر، وأنكروا إرادة الله تعالى للشر، وقالوا أنه أراد من الكافر الإيمان لا الكفر، ومن العاصي الطاعة لا المعصية؛ زعما منهم أن إرادة القبيح قبيحة، فعندهم أكثر ما يكون من أفعال العبد على خلاف إرادة الله تعالى، وقد دلت الآيات على خلاف قولهم، منها قوله تعالى {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا} وقوله تعالى {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: لو أراد ربك أن لا يعصى لما خلق إبليس، وقد أشار إلى مذهبهم القاضي عبد الجبار مخاطبا للأستاذ أبى إسحاق بقوله: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فأجابه الأستاذ بقوله: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء، فقال القاضي عبد الجبار: أيشاء ربنا أن يعصى؟ فقال الأستاذ: فيعصى ربنا قهرا؟ فقال القاضي: ألا ترى أن منعنا الهدى وقضى علينا بالردا، أحسن إلينا أم أسا؟ فقال الأستاذ: إن منعك ما هو لك فقد أساء، وإن منعك ما هو له فيختص برحمته من يشاء، والله تعالى أعلم.
[مطلب السعادة والشقاوة هل هما أزليتان أو لا الخ]
(سئل) عن السعادة والشقاوة هل هما أزليتان عنده سبحانه وتعالى؟.
(أجاب) نعم، السعادة والشقاوة أزليتان مقدرتان مقدرتان في الأزل، لا يتغيران ولا يتبدلان، فالسعادة الموت على الإسلام والشقاوة الموت على الكفر؛ لتعلق العلم الأزلي بهما، كذلك فالسعيد من علم الله تعالى في الأزل موته على الإسلام، وإن تقدم منه كفر، والشقي من علم الله تعالى في الأزل موته على الكفر وإن تقدم منه إسلام، ويترتب على السعادة الخلود في الجنة وتوابعه، وعلى الشقاوة الخلود في النار وتوابعه، وعلى هذا يصح أن تقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى نظرا للمآل، وعند الماتريدية لا يصح ذلك نظرا للحال؛ إذ السعيد عندهم هو المسلم والشقي هو الكافر، والسعادة: الإسلام، والشقاوة: الكفر، فيتصور في السعيد أن يشقى بأن يرتد بعد الإيمان ويسعد الشقي بأن يؤمن بعد الكفر، فليس كل من السعادة والشقاوة أزليا، بل يتغيران ويتبدلان، والله أعلم.
[مطلب هل يجوز في حق الله أن يثيب العاصي ويعذب الطائع]
(سئل) هل يجوز في حق الله تعالى أن يثيب العاصي ويعذب الطائع، ولا اعتراض عليه سبحانه