وجاء في الحديث:" لا يقبل الله تعالى قولا إلا بعمل، ولا قولا وعملا إلا بنية ". وقال قوم: الهاء في قوله: {يرفعه} راجعة إلى العمل الصالح أي: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا يقبل عملا إلا أن يكون صادرا عن التوحيد.
وقال سفيان بن عيينة: العمل الصالح هو الخالص يعني أن الإخلاص هو سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال؛ لقوله تعالى:{فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}. فجعل الصالح الخالص من الشرك والرياء ونقيض الصالح الشرك والرياء. والله تعالى أعلم.
[مطلب في قوله تعالى:{وما أنزل على الملكين} إلخ.]
(سئل) عن قوله تعالى: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} الآية فهل هما ساحران؟ وما سبب نزولهما للدنيا وتعليمهما للناس السحر؟
(أجاب) روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: إن الملائكة لما رأوا ما يصعد إلى السماء من أعمال بني آدم الخبيثة في زمن إدريس عليه السلام فعيروهم وقالوا: هؤلاء جعلتهم في الأرض واخترتهم وهم يعصونك، فقال الله عز وجل: لو أنزلتكم إلى الأرض وركبت فيكم ما ركبت فيهم لركبتم مثل ما ركبوا، فقالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نعصيك، فقال الله تعالى: فاختاروا ملكين من خياركم أهبطهما إلى الأرض فاختاروا هاروت وماروت، وكانا من أصلح الملائكة وأعبدهم.
وكان اسم هاروت عز وماروت عزايا - فغير اسمهما لما قارفا الذنب - وركب الله تعالى فيهما الشهوة وأهبطهما إلى الأرض وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق ونهاهم عن الشرك والقتل بغير الحق والزنا وشرب الخمر، وكانا يقضيان بين الناس يومهما فإذا أمسيا ذكرا اسم الله الأعظم وصعدا إلى السماء، فما مر عليهما شهر حتى افتتنا، وقيل: افتتنا في أول يوم وذكر أنه اختصم إليهما امرأة يقال لها: الزهرة
، وكانت من أجمل أهل فارس، وقيل: كانت ملكة فلما رأياها أخذت بقلوبهما. فقال أحدهما لصاحبه: هل سقط في نفسك مثل الذي سقط في نفسي؟ قال: نعم، فراوداها عن نفسها، فأبت وانصرفت، ثم عادت في اليوم الثاني، ففعلا مثل ذلك فأبت، وقالت: لا إلا أن تعبدا هذا الصنم، وتقتلا النفس وتشربا الخمر، فقالا: لا سبيل إلى هذه الأشياء؛ فإن الله تعالى قد نهانا عنها، ثم انصرفت.
ثم عادت في اليوم الثالث ومعها قدح خمر وفي أنفسهما من الميل إليها ما فيها، ثم راوداها عن نفسها، فعرضت عليهما ما قالت بالأمس، فقالا: الصلاة لغير الله عظيم، وقتل النفس عظيم، وأهون الثلاثة شرب الخمر، فشربا الخمر لما انتشيا ووقعا بالمرأة، قيل: زنيا بها، فرآهما إنسان، فقتلاه خوف الفضيحة.
وقيل: إنها قالت لهما: بأي شيء تصعدان إلى السماء؟ فقالا: باسم الله الأعظم، فقالت: فما أنتما بمدركي حتى تعلماني إياه، فقال أحدهما للآخر: علمها، فقال: إني أخاف الله، فقال له: فأين رحمة الله؟ فعلمها إياه فتكلمت به، وصعدت إلى السماء، فمسخها الله كوكبا، قيل: إنها الزهرة. ولما أمسى