فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور} ما تفسير هذه الآية؟
(أجاب) صريح كلام البيضاوي والبغوي وغيرهما أن هذا الأمر واقع يوم القيامة إما على الصراط، وإما في الموقف. قال البيضاوي {يوم يقول المنافقون والمنافقات}: بدل من {يوم ترى} أي يقول لهم من يتلقاهم من الملائكة {بشراكم اليوم جنات} أي في المبشر به جنات أي: دخول جنات وقوله: {ارجعوا وراءكم} أي: إلى الدنيا {فالتمسوا نورا} بتحصيل المعارف الإلهية، والأخلاق الفاضلة؛ فإنه يتولد منها، أو إلى الموقف فإنه من ثم يقتبس، أو إلى حيث شئتم فاطلبوا، وذلك أن الله عز وجل يعطي المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ويعطي المنافق نورا خديعة هو قوله عز وجل:{وهو خادعهم} فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحا وظلمة فأطفأت نور المنافق فذلك قوله عز وجل: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا} مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين.
وقوله عز وجل:{قيل ارجعوا وراءكم} قال ابن عباس: يقول لهم المؤمنون، وقال قتادة: تقول لهم الملائكة: ارجعوا وراءكم من حيث جئتم {فالتمسوا نورا}: فاطلبوا لأنفسكم هناك نورا لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئا، أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة {وظاهره} أي خارج ذلك السور {من قبله} أي من قبل ذلك الظاهر {العذاب} وهو النار.
وروي عن عبد الله بين عمرو بن العاص أنه قال: السور الذي ذكره الله تعالى في القرآن {فضرب بينهم بسور له باب} سور بيت المقدس الشرقي، {باطنه فيه} المسجد، {وظاهره من قبله العذاب} وادي جهنم. قال شريح: كان كعب يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب} الآية انتهى. وهذا يقتضي أن هذا واقع في الدنيا؛ لأن مسجد بيت المقدس محل الرحمة لتضاعف الصلاة فيه، ولأنه محل المحشر والمنشر، ولأن الكعبة تساق إليه، ووادي النار الذي وقع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ليلة الإسراء تمثيل حال العصاة من أمته كأكلة الربا وشربة الخمر وأهل الغيبة والزناة وغير ذلك. والله أعلم.
[مطلب القرآن قديم متواتر ولا بد فيه من مقدرات إلخ]
(سئل) لا شك أن القرآن قديم متواتر ولا بد فيه من تقدير مقدرات لا يتم معنى القرآن بدونها، يقدرها أرباب التفسير وأهل الأصول والعربية، مع اختلافهم فيما يقدرونه، فإن قلتم: هذا المقدر من كلام الله تعالى فيكون القرآن المعجز محتاجا إلى غير المعجز الحادث وهو ظاهر البطلان، ولا شك أن المركب