من المعجز وغير المعجز غير معجز، وإن المركب من القديم والحادث حادث، والتزام أن هذا المقدر من الاحتياج ليس بنقص في كلام الله تعالى وليس بمخرج له عن كونه من كلام الله، التزام أمر ظاهر البطلان، ويلزم أيضا وقوع الاختلاف في القرآن؛ لاختلاف التقادير باختلاف الأغراض مع عدم اتفاقهم على لفظ واحد يقدرونه، فهذا يقدر لفظا وهذا يقدر لفظا وتارة تختلف المعاني وتارة لا، ومن ذلك اختلاف الأئمة فيما اختلفوا فيه في بعض الأحكام، مع قوله تعالى:{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}؛ وأيضا ما الداعي إلى حذفه مع كونه من كلام الله تعالى ويلزمه ما يلزم في كلام الله تعالى من حرمة مسه على الجنب والمحدث والحائض، ونحوها.
وإن قلتم: إنه من غير كلام الله تعالى فما الدليل على تقديره؟ وما الدليل على تعينه مع أن هذا أيضا وارد على المعنى الأول، ويلزمه أن يكون القرآن مركبا من كلام الله تعالى وكلام خلقه، ومركبا أيضا من القديم والحادث؛ فإن كان الله تركه لخلقه ليقدروه فهو حوالة لهم على ما لا يعلمونه، وهو أمر مجهول، فهو حوالة على مجهول، وإن كان لغفلة أو ذهول أو نسيان أو خلل في معنى ما تكلم به فذلك كله على الله تعالى محال، تعالى الله علوا كبيرا، ويلزم على هذا أن يكون خلقه تعالى أدركوا ما لا يدركه تعالى؛ لأنهم قدروا ما غفل أو ذهل عنه وذلك باطل باتفاق، بينوا لنا في ذلك جوابا شافيا؟.
(أجاب) اعلم أنا نختار الشق الثاني وهو الحق، والدليل على تقديره القرائن والآيات؛ فإن بعض القرآن يفسر بعضا، والأحاديث:{وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس} والدليل على تعيينه المقام والغرض المستدل بالقرآن، فالنحوي يقدر ما يناسبه والأصولي كذلك، والفقيه كذلك، وأهل المعاني والبيان يقدرون ما يناسبهم، وليس في ذلك من النقص شيء، بل فيه كمال الكمال والبلاغة كما أجاب بذلك السيد الصفوي، والنقص اللغوي غير مضر، وبه يعلم أنه لا سهو ولا غفلة ولا ذهول ولا جهل ولا حوالة على مجهول، بل فيه من الرقة والمقاصد البليغة والنكت العجيبة كما بين ذلك في حذف المسند والمسند إليه في علم المعاني.
قال السيد المذكور: لإفادة الكلام المقصود مع الاختصار ودلالة السياق والقرائن على المحذوف، فقد اتفق المستشكل والمجيب على أن المحذوف ليس من كلام الله تعالى، وعلم أيضا أن الله تعالى أراد ذلك المقدر من القرآن، ووكله إلى أربابه لأغراضهم المختلفة، فالعجب العجيب من مقدراته وملفوظاته، كيف ما طلبته وجدته على مرادك المطابق للحق، ولا يوجد ذلك في كلام البشر أصلا، وأما قول المستشكل في المعنى الأول، أن المركب من المعجز وغير المعجز غير معجز إلخ ممنوع؛ فإن مجموع القرآن بل السورة الواحدة معجز مع أنه مركب