مخالفة لكلام النحاة، ولا ريب أن المكان والجهة محالان على الله تعالى، بمعنى حلوله بهما، وأما ما يقع في الكتاب والسنة من نسبة الجهة والمكان مثل {وهو الذي في السماء إله وفى الأرض إله} ومثل: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا» الخ، فمؤول الأول بمعنى أنه مألوه؛ أي معبود في الأرض، والثاني بمعنى نزول رحمته أو ملائكته. انتهى، والله تعالى أعلم.
[مطلب في شخص خلقه الله تعالى كما اختار ثم استعمله فيما اختار، فإن أدخله النار عدل أم جار الخ]
(سئل) عن شخص خلقه الله تعالى كما اختار ثم استعمله فيما اختار، إن شاء أدخله الجنة وإن شاء أدخله النار أعدل أم جار؟.
(أجاب) اعلم وفقك الله تعالى للحق أن أصل هذا التشكيك للمعتزلة قبحهم الله تعالى، ونقول: إن الأمر كما ذكر في السؤال، والجواب أن الاختيار صادق بالاختيار إلى عمل الجنة، فيختار له عملها، إما عملا لا يتغير أصلا أو يتغير، وفى الحديث الصحيح:«إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى يكون ما بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» وكل ذلك على ما في العلم القديم الذي لا يتغير ولا يتبدل، فريق في الجنة وفريق في السعير، وبالاختيار إلى النار يختار له عملا، إما عملا لا يتغير أو عملا يتغير فله أن يدخل جميع الخلق الجنة بكرمه وحلمه، وله أن يدخل الجميع النار بعدله ولا ينسب له ظلم ولا جور، فتصرفه في ملكه كيف يشاء، فهو الفاعل المختار، وأصل هذا السؤال للمعتزلة أذلهم الله تعالى، كما حكي أنه دخل القاضي عبد الجبار المعتزلي دار الصاحب فرأى الأستاذ أبا إسحاق الإسفرائيني فقال له على الفور: سبحان من تنزه عن الفحشاء، فقال الأستاذ على الفور: سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء، فالتفت إليه عبد الجبار وعرف أنه فهم مراده وقال له: أيريد ربنا أن يعصى؟ فقال له الأستاذ: أفيعصى ربنا قهرا؟ فقال له عبد الجبار: أرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أسا؟ فقال له الأستاذ: إن كان منعك ما هو لك فقد أساء، وإن كان منعك ما هو له فيختص برحمته من يشاء. فانصرف، فقال الحاضرون: والله ليس عن هذا جواب، والله تعالى أعلم.
[مطلب عبد الله في جهة ومكان أم لا وهل يكون معبودا في الجهة أم للجهة الخ]
(سئل) هل عبد الله تعالى في جهة ومكان أم لا؟ وهل عبد الله تعالى في جهة القبلة أم لا؟ فهل يكون معبودا في الجهة أم للجهة؟.
(أجاب) الله تعالى جل جلاله وعظم سلطانه معبود لذاته وجلاله وكماله لما وقر في قلوب المقربين وثبت في عيون العارفين} ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله {} وهو معكم أينما كنتم {فعابده في الجهة مجسم ضال مضل قاصر النظر قاصر الدليل مطرود عن ساحة الجليل،