للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم: أمرنا باتباع الظاهر والله يتولى السرائر، وقال صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. قال بعض شراح هذا الحديث: المعنى اترك ما في حله شك إلى ما لا فيه طلبا لبراءة دينك وعرضك، ودع ما تشك فيه إلا ما لا تشك فيه من الحلال البين الظاهر الصافي المصفى الذي يحمدك الناس على فعله، ودع الذي تذمك الناس على فعله.

وقال أبو ذر رضي الله عنه: تمام التقوى ترك بعض الحلال خوفا أن يكون حراما لما في ذلك من ترك الريبة؛ لأن تركها ورع كبير عظيم في الدنيا والآخرة. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك قال: وكيف لي العلم بذلك؟ قال: إذا أردت أمرا فدع يدك على صدرك؛ فإن القلب يضطرب للحرام ويسكن للحلال، وإن المسلم يدع الصغيرة مخافة الكبيرة".

وقال حسان بن سنان: ما شيء أهون من الورع إذا رابك شيء فدعه، وفي رواية: من عرض نفسه للتهم فلا يأمن من إساءة الظن به، فمن طلب البراءة لدينه فقد صان عرضه عن كلام الناس فيه بما يصيبه ويشينه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك، فاتقوا الله عباد الله ولا تكونوا من الغافلين فتلحقوا بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى ويجنبنا الفساد والردى ويهدينا للصراط المستقيم بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين.

ويتعين على الفقيه الصوفي بل يجب عليه أن يتجنب إساءة الظن به خصوصا هذه الأفعال ولو كانت على الصواب، وأن يكون جوهري الفكر جوهري الذكر جميل المنازعة قريب المراجعة لا يطلب من الحق إلا الحق، ولا يتمذهب إلا بالصدق مذكرا للغافلين معلما للجاهلين، لا يؤذي من يؤذيه ولا يخوض فيما لا يعنيه ورعا من المحرمات متوقيا عن الشبهات والشهوات، لا يكشف أمرا ولا يهتك سترا، لطيف الحركة نامي البركة حلو المشاهدة سخيا بالفائدة حسن الأخلاق طيب المذاق، حليما إذا جهل عليه، صبورا على من أسى إليه أمينا على أمانته، بعيدا عن خيانته ثابت الجنان صدوق اللسان تأمن بوائقه الجيران والله تعالى الموفق أعلم.

[مطلب فيما يفعله السادة الصوفية إلخ]

(سئل) فيما يفعله السادة الصوفية من إعطاء العهود للفقراء وأخذ الفقراء منهم العهد، فهل ذلك حسن مستحب؟

(أجاب) أخذ العهد حسن محبوب؛ لأن الشيخ يذكر للمريد كلاما يعاهده عليه معناه الرجوع عن المعاصي والدوام على الطاعة، وهذا الدليل أصل أصيل جاءت به الأحاديث منها عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله

<<  <  ج: ص:  >  >>