للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يخش من ركوبه ضررا يبيح التيمم أو يشق مشقة لا تحتمل عادة والله أعلم.

[مطلب رجل غاب عن زوجته غيبة طويلة]

(سئل) في رجل غاب عن زوجته غيبة طويلة، فرفعت أمرها لحاكم شافعي؛ ليفسخ نكاحه لكونه تركها بلا نفقة ولا منفق، وأحضرت رجلين خليل بن يوسف الفالجي وعلي بن حسن العككاني، وشهدا لها، وصورة شهادتهما إن محمدا غاب عن المدينة من مدة أربع سنوات، وأنه تركها بلا نفقة ولا منفق شرعي، ولم تجد من تستدين منه وترجع بذلك، وأنه معسر، وأنها غير ناشزة ولم يرسل لها شيئا قل ولا جل، ففسخ لها الحاكم الشافعي وزوجت من آخر، ثم حضر الزوج المفسوخ نكاحه وظهر أنه غني، وأن له أسبابا عند الزوجة أقرت له بها، وأعطتها له بحيث يمكن منها النفقة من نحاس وغيره، وله أيضا جدار وعقار في بلده فهل الفسخ صحيح؟ وإن قلتم: لا ترجع المرأة إلى زوجها الأول، ويتبين إبطال الحجة والحكم الذي وقع على ذلك؟

(أجاب) هذا الفسخ باطل من وجوه؛ الأول: أن القاضي لم يبين أنه يعلم عدالتهما أو أنهما زكيان عنده؛ لأن ذلك واجب في الشهادة إذ شرطها عدالة الشهود، فإن عملها القاضي عمل بها، وإلا طلب التزكية وجوبا وهي مشروحة في كتب الفقه. الثاني: أنه لا يكفي في الشهادة أن الزوج معسر، بل لا بد أن يصرحا في شهادتهما أنه معسر الآن؛ أي حال الشهادة كما صرح به غالب أئمتنا كالرملي وابن حجر وغيرهما، ولم يذكرا الآن فهي باطلة. الثالث: تبين كذبهما بما له من المال عند الزوجة ومن العقار. الرابع أنه متى حضر المفسوخ نكاحه وادعى أن له مالا بالبلد، وأثبت ذلك بالوجه الشرعي، وإن لم يقل خفي على بينة الإعسار لم يكفه حتى يقيم بينة بذلك، وبأنها تعلمه وتقدر عليه، فحينئذ يبطل الفسخ، قاله الغزالي، وفي الاحتياج إلى قيامه البينة بعلمها وقدرتها نظر ظاهر؛ لأنه بان ببينة الوجود أنه مؤثر وهو لا يفسخ عليه، وإن تعذر تحصل النفقة منه انتهى، وظاهره أنه لا فرق بين أن تزوج بآخر أم لا، ويتبين بطلان النكاح وإن حصل منه وطء، يكون وطء شبهة لها عليه به مهر المثل، وترجع للزوج؛ لأن عقد نكاحه محقق فلا يزال إلا بيقين، فحيث ظهر أن عند الزوجة أمتعة يتأتى منها لها النفقة الواجبة لها، ولو فيما قل من الزمان تبين بطلان الدعوى والشهادة، وإن كانت في نفسها صحيحة، وبطلان الحكم المترتب على ذلك لبطلان الأصل، وهو الدعوى، وعبارة ابن حجر ولا فسخ بغيبة من جهل حاله يسارا وإعسارا، بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب

<<  <  ج: ص:  >  >>