للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الضلال واستوجب العقوبة والنكال والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.

[مطلب فيما هو معتاد بين السادة الصوفية إلخ]

(سئل) فيما هو معتاد بين السادة الصوفية من إلباس الخرقة من الشيخ لمريده كأن يلبسه قباء أو يلف له عمامة بهية مختصة به، أو يلبسه دلقا ويشده ويعطيه العهد، ويلقنه الذكر ويؤدبه ويعلمه طريق الفقراء ونحو ذلك، فهل لذلك دليل؟ وما معرفة جميع ما ذكر مفصلا؟

(أجاب) لا ريب أن التزيي بزي الصالحين مطلوب مرغوب فيه، والذى يظهر أن الغالب على أهل هذا الزمان في لبسهم الخرقة إنما هو للتبرك ممن يلبس منه لحسن اعتقاده فيه؛ ليتسم بوسمة فيكون نظره عليه وخاطره معه لعل أن يحصل له نفحات دعواته وأوقات قربه من الله تعالى، وربما كان الشيخ ممن كان له جاه ووجاهة وكلمة نافذة بين الناس فيتقرب إليه بلبس زيه؛ ليدخل تحت كنفه لأجل مصلحة دنياه، ومنهم من يبلغه ماجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم، ولا يحب رجل قوما إلا حشر معهم، ولا يحب الرجل قوما إلا جعله الله تعالى منهم". والتزيي بزي الصالحين وأهل الخير محبوب مطلوب، كما أن التزيي بزي أهل الشر غير محبوب ولا مطلوب.

والأصل في لبس الخرقة ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليلة أسري بي أخذني جبريل، وأدخلني قبة من نور، وأخرج لي صندوقا مقفولا ففتحته، وأخرج لي منه زي الفقراء وألبسني إياه". فلما لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألبسه لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأنس ابن مالك، ولم تزل الأولياء والصالحين والصوفية مستمرين على لبسه من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن.

ولأن الخليفة أو النقيب أو التلميذ إذا شم الخرقة وجد فيها نفس شيخه الذي يقدمه لباب الله تعالى، ويتذكر برؤيتها نعم الله تعالى فيذداد شوقا إلى الأحوال الشريفة، ويأخذ في الاجتهاد والجد رغبة في الوصول إلى المقامات السنية، ولبس الخرقة إظهارا للتصوف وارتباطا بين الشيخ والمريد وتحكما من المريد للشيخ في نفسه حكى عن جعفر الخالدي أنه قال: دخلت على بعض شيوخي فأعطاني قلنسوة فجعلتها على رأسي، ثم خرجت عن البلد فجزت على أجمة قصب فخرج علي السباع فكان السباع يقربون مني ويتذللون فتحيرت ورجعت إلى أمري فإذا هم يفعلون ذلك للقلنسوة ويلتمسون بركتها.

وثوب الفقراء أزهى ملمسا وأزكى مغرسا وأشرف جلبابا وأكثر عند الله ثوابا فهو أعظم تاج وضع على الرؤوس وأنفع عوزة دفع به كل بؤس، وقد جعل لها أقوام هم بشروطها قوام ومشايخنا تناقلوها إماما إماما ووارثا وارثا تلقوها عن أب وجد وانتهوا فيها إلى ما حدوا لهم من حدة فرحمة الله تعالى عليهم أجمعين، وذكر بعضهم للبس الخرقة

<<  <  ج: ص:  >  >>