للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والترمذي والنسائي وابن ماجه والذاكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر وكذا حلق الذكر وطواف الملائكة بها وما ورد فيها من الأحاديث، فإن ذلك إنما يكون في الجهر بالذكر، وهناك اقتضت طلب الأسرار والجمع بينهما بأن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، وذكر بعض العلماء أن الجهر أفضل؛ لأنه أكثر عملا، ولتعدي فائدته إلى السامعين ويوقظ قلب الذاكر، ويطرد النوم ويزيد النشاط، وأما قوله تعلى {واذكر ربك في نفسك} أجيب عنه بأنها مكية كآية الأسرى} ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها {نزلت لئلا يسمعه المشركون فيسبوا القرآن ومن أنزله فأمر به سدا للذريعة كما نهى عن سب الأصنام لذلك، وقد زال إلى أن قال: وأما رفع الصوت بالذكر فجائز، وفي المسألة للعلماء كلام يتحمل مجلدا، وأما إنشاد الأشعار في المسجد فلو لم يكن إلا حديث كعب وقصيدته المشهورة وإشارته صلى الله عليه وسلم إلى الخلق أن اسمعوا لكفى، وقد ثبت بالنصوص الصحيحة الغناء في بيته صلى الله عليه وسلم وضرب الدف في حضرته ورقص الحبوش في مسجده وإنشاد الشعر بالأصوات الطيبة بين يديه، وكان صلى الله عليه وسلم مع أصحابه مكان المائدة يتحلقون حلقة دون حلقة فيلتفت إلى هؤلاء وإلى هؤلاء والأخبار فيما يشهد لهذا كثيرة والأثر به مستفيض، وقول العلماء إنما الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح، فما جاز على النثر جاز عليه.

وأما قولهم: يا شيخ عبد القادر فهو نداء وإذا أضيف إليه شيء لله فهو طلب شيء إكراما لله تعالى فما الموجب لحرمة ذلك، وأما الرقص ففيه للفقهاء كلام منهم من منعه ومنهم من لم يمنعه؛ حيث وجد اللذة له وغلب عليه الوجد، واستدلوا بما وقع لجعفر بن أبي طالب لما قال له عليه الصلاة والسلام: أشبهت خلقي وخلقي فرقص من لذة هذا الخطاب ولم ينكر عليه الصلاة والسلام عليه، وجعل ذلك أصلا بجواز رقص الصوفية عند ما يجدونه من لذة المواجيد ومجالس الذكر والسماع، وقد قال بجواز السماع من الصحابة والتابعين خلق كثير وجم غفير، ونقل صاحب النهاية في شرح الهداية من الحنفية إباحة الغناء إذا كان يتغنى ليستفيد به نظم القوافي، ويصير فصيح اللسان، وقد كان الإمام أنس بن مالك رحمه الله تعالى يتغنى في بيته ولا يفعل ذلك تلهيا، ولأن السماع يرقق القلب.

وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن السماع الذي يعمل في هذا الزمان في مجلس الذكر فأجاب ما صورته: سماع ما يحرك الأحوال السنية المذكرة للآخر مندوب إليه، ولا يجوز الاعتراض على السادة الصوفية ولا الإنكار عليهم، وقد ورد في الأثر: من كفر مسلما فقد كفر ومن حرم الحلال فقد وقع

<<  <  ج: ص:  >  >>