(سئل) في محلة من محلات مصر المحروسة محل العلم والعلماء الأعلام وحكام الإسلام أظهر الله تعالى بهم الأحكام بالأحكام وأعزبهم الأنام يعمل بها الخمر ويباع جهارا، وتأتي له الفسقة تشرب منه، وتسكر ويحصل لأهل المحلة منه الضرر الكلي للجار والمار، ويخافون علىأنفسهم ونسائهم وأولادهم كما هو معلوم لكل أحد، وكتب لهم الحاكم على مصر -أيده الله تعالى- السابق واللاحق بيورد آيات شريفة بالمنع، وكذلك حاكم الشرع القويم نصره الله تعالى، فامتنعوا منه مدة، ثم عادوا له وغالبهم من أهل الذمة مع وجود فتاوى شريفة من العلماء الأعلام أئمة المذاهب الأربع، ومع عدم الإذعان للكحام المذكورين وللأحكام الشرعية، فهل ينقض عهد أهل الذمة بذلك؟ وهل يجب على ولاة الأمور -أيدهم الغفور وأعانهم العلي الشكور من ذلك - ولو بتخريب المحل الذي هو مجمع الفساد والضرر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويرتبون على أفعالهم مقتضاها ويثابون على ذلك الثواب الجزيل حفظا لدين الإسلام ولإعراض أهل المحلة ولأنفسهم أفيدوا جوابا شافيا بالدليل الذي لا يحتمل التأويل أثابكم الله تعالى الجنة؟
(أجاب) اعلم وفقك الله تعالى لفعل الخير ولإقامة الملة المحمدية إن شاء الله تعالى أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فقد أورثها الله تعالى لأفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قد ورثه فيها طائفتان: الأولى العلماء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"العلماء ورثة الأنبياء" وعليهم القيام بالحجة والبرهان والكشف عن المشكل والبيان.
الثانية: السلطان وأعوانه أهل العرفان وبأيديهم السيف والسنان وعليهم قمع أهل الطغيان، فحصة العلماء الآن انضمت أيضا لجناب السلطان، فلذلك ضعف الإسلام؛ لأنه لا يقوم على رجل واحدة بل إنما يقوم الإسلام بما قام به سيد الأنام من الجحة والبرهان وذلك ورثة فيه العلماء ولهم النصف من ميراث الأرض بمقتضى الإرث الشرعي، ومن السيف والسنان، وذلك حصة السلطان وجنوده أيدهم الرحمن، ولهم النصف الثاني من الأرض، والآن له نصره الله تعالى ولهم الجميع على أي وجه كان، وهذا كله لا يحل له ولا لهم إلا بحفظ خمسة أمور، وهي المسماة الكليات الخمس أو الست التي نقل الغزالي وغيره من أئمة الدين أنها الكليات لم تحل في شريعة قط من لدن آدم وشيث ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام، وأما شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فأدلة هذه الكليات واضحة ظاهرة مشيدة التشييد مسددة غاية التسديد، موضحة بنصوص لا تقبل التأويل، قام عليها الإجماع بكل دليل لا خلاف فيها قطعا لكل حقير وجليل، فأولها حفظ