للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرها وهل الزيادي ذكرها في تأليف أم في سؤال رفع له أوضحوا لنا هذه المسألة إيضاحا شافيا.

(أجاب) اعلم وفقك الله تعالى أن الحق لا يبطل بتطاول الزمان، ولو ألوفا من السنين، فمن علم أن بذمته أو ذمة موروثه القريب أو البعيد حقا لمسلم أو ذمي وجب عليه الخروج من عهدته ووفاؤه ولو بالسفر البعيد ليوصله إلى مالكه، وهذا أمر متفق عليه بين علماء الإسلام، بل هو من الشرائع القديمة ومن أحد الكليات الخمس أو الستة التي يجب حفظها على كل أحد، وهو محل منصب السلطان ونوابه، نصرهم الله تعالى.

وأما هذا الذي شاع في هذه العصور إنما أحدثه بعض ملوك آل عثمان، حرسهم الرحمن، خوفا من الانتشار، وكثرة الخصام، والترفع إلى الأحكام، وكأنهم عملوا فيه بقاعدة أبي حنيفة، رضي الله عنه، من الاستحسان الذي يقول به دون الشافعي، وقد سألت عنه السيد أحمد الحموي المؤلف في مذهب الإمام المذكور فقال: نعم نقول به، لا يجوز للقاضي أن يقضي فيما زاد على خمس عشرة سنة بشرط أن ينص له موليه في منشوره عليه، هذا كلامه.

فعلى هذا يشترط في كل قاض أن ينص له موليه على ذلك، وأما إذا أطلق له التولية فيحكم في جميع الحوادث؛ لأنه لم يمنع من شيء منها، وسألت شيخنا محمد الشرنبلالي عن ذلك، فأجاب بمثل جواب السيد أحمد، ووجهه أن القاضي ولايته تشمل ذلك، فليس له فيه الإلزام وإنما له الإخبار كأحاد العلماء لما علم، وهذا الكلام ينكشف لك عندنا وعندهم بأن القضاء يخص بالزمان كسنة مثلا، والمكان كالشام، والنوع كالحكم في الأنكحة مثلا، والمحكوم عليه كأهل الشام مثلا أو زيد.

قال في العباب: ثم إن عمم تولية كل واحد أو أطلق فهي عامة وإن خص كل واحد بمكان أو زمان أو نوع محكوم به أو عليه لم يتعده. انتهى.

إذا علمت ذلك عندنا، وهو أيضا مقتضى مذهب الحنيفة، انفتح لك الباب، وعلمت صحة الجواب من الشافعية والحنفية، أما الشافعية فهو ما ذكرناه لك من نص العباب ومثله غيره، وعلى ذلك ينزل ما أفتى به الزيادي؛ لأنه لم ينقل عنه إلا الإفتاء فقط، ولم ينقل عن غيره من أئمتنا فيها كلام.

وكذلك ما أجاب به شيخنا المذكور وكذلك السيد أحمد، وإذا وقع هذا الإفتاء

منا أو منهم هو مبني على نص سلطان الوقت لكل قاض رفعت له هذه الدعوى على المنع فيما فوق خمس عشرة سنة. ونصوص مذهبنا على أن السلطان هو الذي يولي القضاة، وإذا ولاهم وأطلق كان لهم الاستخلاف في الحكم على ما فصل في كتب الفقه.

وأما الآن في زمننا فإن السلطان، نصره الرحمن، يولي شيخ الإسلام، وهو يولي القضاة، فإن أطلق السلطان، نصره الرحمن، لشيخ الإسلام أو خصص بذلك أي مما

<<  <  ج: ص:  >  >>