للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكرامة، وهي أن المعجزة مرادة ومقصودة للرسول بخلاف الكرامة، وإن قصدت في بعض الأحيان فقد تتخلف، والمراد من المعجزة التحدي ولا تحدى في الكرامة، وأما الجواب عن كلام بدء الأمالي فهو أن جميع الكرامات الواقعة من الأولياء أحياء وأمواتا واقعة في الدنيا لا في البرزخ ولا في الآخرة، فمراد بدء الأمالي أن فائدة الكرامة ونتيجتها إنما هي في الدنيا سواء ظهرت من الولي في حال حياته أم بعد مماته، فهي كائنة في الدنيا لا في الآخرة، فتأمل بإنصاف وخذ الحق لا بالاعتساف، فلا دلالة في هذه الأمور لنفي الكرامة للأولياء بعد موتهم، وإنما هذا مغالطة من قوم حجبوا عن كرامات الأولياء وعموا عنها بضلالهم وغيهم وعدم اطلاعهم عليها، ولم يأخذوها من أشياخ منورين وقلوب عارفين، بل من قوم لم يجاوز الإيمان حناجرهم، ونشأوا في بلاد ليس بها نبي ولا ولي، فهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون، ولا يعرفون مدلول اللغة ولا موارد القرآن ولا مفهوم الحديث النبوي ولا كلام العلماء المؤيدين من الله تعالى بالأنوار، ونعوذ بالله من الحرمان، وهو المستعان. وقد ذكر ابن حجر والرملي مما يدل على سوء الخاتمة إيذاء أولياء الله تعالى كآكل الربا، فقد أذن سبحانه وتعالى لآكل الربا بالمحاربة وكذلك لمن يؤذي الأولياء، فقد صح فيه ذلك، واعلم أنه جرت عادة الله تعالى، واستمرت سنته في خلقه تعالى أن كل معترض أو منتقد عليهم رضي الله عنهم لا يفلح أبدا، وإن أفلح في الدنيا لا يفلح في الآخرة، ولا ترى لأحد حالا ولا مقالا دنيويا ولا أخرويا إلا إذا كان ممن يعتقدهم وتفيض عليه بركاتهم وأنفاسهم الطاهرة وحركاتهم الفاخرة فاعتقد أو انتقدوها هنا تنبيه نبيه، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال» الأرواح جند مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف «فكل معترض على أولياء الله تعالى أحياء وأمواتا أو منكر لكراماتهم ممن خالفت روحه روحهم فهو من قبضة الشمال، وهم من أهل اليمين، وهما معنى التعارف والتخالف، فأهل اليمين متعارفون، وأهل الشمال متخالفون، فاتق الله في أوليائه، ولا تكن لهما معاديا فتهلك مع الهالكين. وروى الطبراني عن أبي قرصافة «من أحب قوما حشره الله تعالى في زمرتهم».

وها هنا مثال أوضح لك به طريق المعتقد والمنتقد، وهو أن طريق الاعتقاد أمن لا خوف فيه أصلا، وأما الاعتراض فمخوف من حيث احتمال الإيذاء لأولياء الله تعالى المؤذن فيه بالمحاربة من الله تعالى، فما حالك أيها المعترض إذا أصبحت معاديا لله ومحاربا له، فاسلك طريق الأمان ولا تسلك طريق الحرمان، وهنا أمران قطعيان: أحدهما: قوله - صلى الله عليه وسلم - «لا تجتمع أمتي على ضلالة» وقد اجتمعت الأمة على ثبوت الكرامة في الجملة للأولياء، وهل من دليل

<<  <  ج: ص:  >  >>