وخلقي وهلا كان تشبيه الذاكرين الله كثيرا بالملائكة الطائفين حول العرش وهم سبعون ألف صف جرد مرد يرقصون ويتواجدون، كل واحد منهم قد أخذ بيد صاحبه يقولون بأعلى صوتهم: من مثلنا وأنت ربنا من مثلنا وأنت حبيبنا، وذلك دأبهم إلى يوم القيامة وتشبيه أهل الذكر بهم أولى وأحق من تشبيههم بعباد العجل الكافرين بالله تعالى، وكيف يسوغ لمسلم أن يشبه ذكر الله تعالى بكفر الكافرين، ويشبه الذاكرين الله كثيرا بالكافرين به سبحانه وتعالى على أن هذه النقول المذكورة عن الطحاوي وعن صاحب جامع الفتاوى وعن الطرسوسي أمور باطلة غير صحيحة، وهي كذب وافتراء على العلماء أئمة الدين، فإن من يكذب على الله تعاللى ورسوله بتحريم ما لم يحرم وبالنهي عن عبادته تعالى، بل عن أفضل عباداته وهو ذكره تعالى، ويكذب أيضا على نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه الكرام يسهل عليهم الكذب على علماء ملة الإسلام، وعلى فرض صحة النقل عنهم فلعل مرادهم صوفية مخصوصون في زمانهم اطلعوا عليهم أنهم يرقصون بالتثني والتكسر كفعل الفسقة في حال الفسق مع الغناء المناسب لأفعال الفسق، وعلموا أنهم يتخذون ذلك عادة وإلا فكيف يتصور ممن يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يحكم بأن الخشوع القلبي بذكر الله تعالى منكر حرام، وقد قال الله تعالى {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} وقال تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} فإن صاحب الخشوع القلبي والوجل بذكر الله تعالى قد يغيب عقله عن احترام الناس واعتبار أهل المجلس فيقوم ويدور ويتواجد وربما ينصرع إلى الأرض على حسب استعداده لتحمل الواردات الإلهية عليه فهو في طاعة وعبادة من غير شبهة عن أحد من عامة أهل الإسلام والإيمان، فضلا عن غيرهم من العلماء الأعيان.
ولا يجوز حمل كلام العلماء على معاني سوء الظن في جميع الصوفية الموجودين في زمانهم والذين ليسوا بموجودين في زمانهم ممن هم الآن في هذا الزمان، وإلا كانو يقولون: ذكر الله تعالى واجتماع الناس عليه من جميع الصوفية والخشوع فيه بالقلب والجوارح، وإن أدى ذلك الخشوع إلى الغير المضبوطة حرام منكر يكفر مستحله، ولو قالوا ذلك لحكمنا بكفرهم وقلنا إنهم حكموا بتحريم ما هو طاعة بإجماع المسلمين وهو ذكر الله تعالى المأمور به في الكتاب والسنة، وعليه إجماع الأمة، بل عليه اعتقاد جميع الملل بأن ذكر الله تعالى عبادة وطاعة خصوصا في المساجد التي بنيت لذكر الله والصلاة، فلا يمنع الذاكر فيها على كل حال، والحاصل أن أصحاب هذه النقول من الفقهاء إذا أساؤوا ظنونهم